* ترجمة:خالد حامد وأشرف البربري أكد ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومدير إدارة التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية في إدارة الرئيس بوش الأولى على أن الولايات المتحدة أعجز من أن تدير شؤون العالم بمفردها كما يتصور عتاة المحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة في حاجة إلى تعاون ومساعدة الدول الأخرى لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد العالم اليوم. وأشار هاس في حوار أجراه معه برنارد جيفرتسمان مستشار التحرير لموقع مجلس العلاقات الخارجية على الإنترنت الذي نشر المقابلة إلى أنه أمام الولايات المتحدة فرصة تاريخية لإعادة رسم خريطة النظام العالمي بما يضمن لها مواجهة تحديات عصر العولمة، وأن التاريخ لن يغفر للأمريكيين تبديد هذه الفرصة إذا حدث وضاعت هذه الفرصة. وتطرق هاس خلال المقابلة إلى أحدث كتبه الذي صدر تحت عنوان (الفرصة.. لحظة أمريكا لتغيير مجرى التاريخ) الذي قال فيه (نحن الآن في بداية القرن الحادي والعشرين، وقد تلاشى خطر الحروب الكبرى بالنسبة للولايات المتحدة بدرجة كبيرة. كما أن الولايات المتحدة تمتلك كل الموارد اللازمة لخوض مثل تلك الحروب، كما أن دول العالم لا تتحرك في اتجاه مواجهة القوة الأمريكية ولا محاولة التصدي لها، بل على العكس فأغلب دول العالم تبدو مستعدة للتعاون معنا. وأنا لا أرى أننا نترجم اللحظة التاريخية إلى شيء ملموس يمكن أن يجسدها. وعلى العكس فإنني أرى أننا نبدد هذه الفرصة بصورة من الصور.وفيما يلي نص الحوار: * في الفصل الأخير من كتاب (الفرصة) قلت إنه توجد أمام الولايات المتحدة فرصة وضرورة لكي تجعل دول العالم تتفاعل معها بشكل من أشكال التكامل العولمي.. فكيف يحدث ذلك؟ - ريتشارد هاس: السبب في القول بوجود فرصة وضرورة أمام حدوث هذا هو أن الولايات المتحدة قوية ويحظى أغلب ما تحاول أو ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة بقبول الكثير من دول العالم الأخرى. أما ضرورة العمل مع دول العالم بشكل من أشكال التكامل العولمي هو أن الولايات المتحدة ورغم كل قوتها لا تستطيع التعامل مع التحديات العالمية بمفردها. بمعنى آخر أننا نحتاج إلى مساعدة الآخرين ومشاركتهم إذا أردنا النجاح في مواجهة التحديات العالمية. ولا يجب الانتظار حتى تأتي أزمات جديدة لنحاول الاتفاق مع القوى العالمية الأخرى بشأن كيفية مواجهتها. والمطلوب الآن هو الجلوس مع القوى العالمية الأخرى مثل الصين واليابان والاتحاد الأوروبي والهند وأوروبا وربما يمكن توسيع دائرة هذا الحوار لتشمل قوى مثل البرازيل وجنوب أفريقيا ونيجيريا وإندونيسيا.. فنحن في حاجة إلى الحديث معهم بشأن قواعد الطريق وما يجب علينا عمله من أجل وقف انتشار الأسلحة النووية، وما يجب عمله لنزع الشرعية عن الأنشطة الإرهابية ووقفها وكيفية منع وقوع جرائم إبادة جماعية أو مذابح جديدة وكيفية وضع أطر جديدة لاتفاقات تحرير التجارة العالمية وكيفية مواجهة ظاهرة التغير المناخي للأرض بعد انتهاء فترة العمل ببروتوكول كيوتو عام 2012. فنحن نحتاج بشكل أساسي إلى قواعد أساسية للعالم بحيث يمكن أن تشجع دول العالم على التوقيع على هذه القواعد والالتزام بها وتحديد كيفية تحرك المجتمع الدولي في حالة انتهاك أي حكومة لهذه القواعد المتفق عليها. ونحن نحتاج إلى تطبيق تلك القواعد في محاولة لتحقيق التكامل العالمي بما يتيح مواجهة التحديات والتهديدات الحالية. الحرب الباردة
* عندما قرأت كتابك شعرت بأننا في الأيام التي أعقبت الحرب العالمية الثانية عندما اجتمع الحلفاء واتفقوا على ملامح النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية وأسسوا المنظمات الدولية التي حكمت تلك الفترة.. ففي تلك الأيام كان هناك شعور قوي بالحاجة إلى إقامة نظام عالمي جديد، ولكن سرعان ما تغيرت هذه المشاعر مع دخول العالم مرحلة الحرب الباردة في خمسينيات القرن العشرين.. فما هو تعليقك؟ - هاس: اعتقد أن هناك تشابها بين أيامنا هذه وتلك الأيام؛ فنحن بالفعل خرجنا للتو من حرب كبرى، كما أن الولايات المتحدة تقف على جانب والعالم كله على جانب آخر من حيث موازين القوى التي تميل تماما لصالح الولايات المتحدة. والاختلاف بين أيامنا هذه والأيام التي أعقبت الحرب العالمية الثانية هو أننا في تلك الأيام وجدنا أنفسنا في خضم الحرب الباردة بعد سنوات قليلة، ولكن هذا الأمر لم يتكرر هذه الأيام بعد خروجنا منتصرين من الحرب الباردة. في الوقت نفسه فإننا نواجه هذه الأيام نظاما عالميا أشد تعقيدا منه بعد الحرب العالمية الثانية في ظل العولمة، فالمخاطر التي نواجهها حالياً لا ترتبط بوجود قوى متصارعة، كما كان الحال في الحرب الباردة، ولكننا نواجه مخاطر تتعلق بشكل أساسي بالعولمة والمخدرات والإرهاب وغير ذلك؛ لذلك فنحن في حاجة إلى قواعد واتفاقيات دولية جديدة لمواجهة هذه التحديات، وأنا غير متأكد تماما من الحاجة إلى الكثير من المؤسسات الدولية في النظام العالمي الجديد، ولكننا بالتأكيد لسنا في حاجة إلى إعادة اختراع الأمم المتحدة ولا حلف شمال الأطلنطي (الناتو) ولا صندوق النقد الدولي ولا البنك الدولي ولكننا بالتأكيد نحتاج إلى تعديل هذه المنظمات لتتوافق مع متطلبات العصر الجديد. ولكي اقدم لك مثلا لتوضيح وجهة نظري لنتحدث عن معاهدة حظر الانتشار النووي؛ فهي نموذج للمعاهدات الدولية التي ظهرت خلال فترة الحرب الباردة وأصبح واضحا تماما أنها لم تعد موائمة للعصر الحالي.. ففي ظل المعاهدة الحالية يمكن لدول العالم الموقعة عليها تخصيب اليورانيوم بشكل مشروع والاحتفاظ به، وهذا بالتأكيد يفتح الباب واسعا أمام امتلاك هذه الدول للسلاح النووي الذي تحظره المعاهدة. والمطلوب الآن معاهدة تضمن لدول العالم الحصول على الوقود اللازم لتشغيل محطات الطاقة النووية والاستخدامات السلمية الأخرى للطاقة النووية دون السيطرة على هذا الوقود ولا امتلاكه للأبد، وهذا يضمن عدم استخدام الوقود النووي في الأغراض العسكرية. التواصل مع العالم
* ولكن الإدارة الأمريكية الحالية لا تشاطرك الرأي في ضرورة التواصل والتحاور مع دول العالم الأخرى.. فهل كلامك هذا يعني الحاجة إلى فكر جديد من جانب الناخبين الأمريكيين لاختيار رئيس أمريكي جديد أكثر مرونة بحيث يمكنه استخدام لغة غير عدوانية؟ - هاس: الرئيس الأمريكي الحالي لن يستمر أكثر من أربع سنوات. وأنا لا اعتقد أن هذه القضية مرتبطة باختيار رئيس جديد، كما أنني أريد توضيح شيء هو أن ما اقترحه لا ينطوي على أي شيء من المرونة؛ فأنا مازلت اتحدث عن القيادة الأمريكية للعالم وإن كنت أتحدث عن قيادة تشجع الآخرين على (اتباعها). فنحن لا نستطيع إدارة شؤون العالم بمفردنا، فليست لدينا الموارد اللازمة لذلك. كما أنه لا يمكن لأي دولة من دول العالم حل مشكلات العالم اليوم بمفردها؛ لذلك فأنا أتطلع إلى نجاح الإدارة الحالية في التوافق مع هذه الحقائق. واعتقد أن هذه الإدارة الحالية تتبنى سياسات غير قابلة للاستمرار.. ببساطة شديدة لا يمكن الاستمرار في سياسة (المسدس) ولا خفض الضرائب في الوقت الذي يتضخم فيه عجز الموازنة الأمريكية. كما أنني لا أعتقد أننا نستطيع الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي في الوقت الذي نواصل فيه العمل بنزعة انفرادية في التعامل مع دول العالم ونعتمد القوة العسكرية كأداة وحيدة للتعامل مع قضايا السياسة الخارجية. ولذلك فأنا أعتقد أن الإدارة الأمريكية الراهنة مضطرة لتغيير قناعاتها وتعديل مواقفها في ضوء حقيقة تلاشي الخيارات المناسبة أمامها وافتقارها للموارد اللازمة للتعامل مع القضايا الحالية وفقا لقناعاتها الحالية كما هو الحال بالنسبة للملف النووي لكل من كوريا الشمالية وإيران على سبيل المثال. فالولايات المتحدة لا يمكنها معالجة أي من المشكلتين بنزعتها الانفرادية ولا الاعتماد على القوة العسكرية. إيران وكوريا الشمالية
* هنا مفارقة غريبة في موقف الإدارة الأمريكية الحالية.. ففي الوقت الذي تصر فيه على النزعة الانفرادية وتجاهل القوى العالمية الأخرى ترفض الدخول في محادثات مباشرة وبشكل منفرد مع كل من كوريا الشمالية وإيران. في الوقت نفسه فإن الكثيرين من المحللين يعتقدون أن مثل هذه المحادثات المباشرة يمكن أن تحقق نتائج إيجابية أفضل من المحادثات السداسية بالنسبة للملف الكوري الشمالي والمحادثات بين إيران والاتحاد الأوروبي بالنسبة للملف الإيراني. وانت كنت في وزارة الخارجية الأمريكية فلماذا ترفض إدارة الرئيس بوش الدخول في محادثات مباشرة مع كوريا الشمالية وإيران؟ - هاس: العقبة الأساسية التي تحول دون المزيد من الجهد الدبلوماسي الأمريكي في اتجاه كوريا الشمالية وإيران هو اعتقاد شائع بين العديد من أقطاب إدارة الرئيس بوش بأن نظامي الحكم في الدولتين هش وفي مهب الريح وأن دخول واشنطن في أي جهد دبلوماسي معه سوف يؤدي إلى دعم موقفه في الداخل ويمنحه أسباب البقاء ويحول دون انهياره. وبشكل أساسي فإن الغالبية من مسؤولي الإدارة الأمريكية تأمل في انهيار نظامي الحكم في كل من طهران وبيونج يانج وبالتالي تتلاشى المشكلات التي يسببانها وبخاصة مشكلة انتشار السلاح النووي. وأنا اعتقد أن هذه مجرد أمان وخيالات وأحلام في عقول هؤلاء المسؤولين أكثر منه فكر استراتيجي له أساس. واعتقد أننا الآن أمام حقيقة تقول إن كوريا الشمالية أصبحت دولة نووية، وأن إيران لا تحتاج إلا إلى بعض الوقت لكي تمتلك قدرات نووية. وهذا يعني من وجهة نظري الحاجة إلى المزيد من الجهد الدبلوماسي بما في ذلك الدخول في حوار مباشر مع الدولتين وليس المزيد من الابتعاد عن الدولتين. مبدأ العصا والجزرة
* بالنسبة لإيران أعتقد أن الإدارة الأمريكية بدأت بالفعل تغير مواقفها حيث أعلنت دعمها للجهود الدبلوماسية التي تقوم بها فرنسا وبريطانيا وألمانيا لتسوية الملف النووي الإيراني. وهناك اتفاق بين كافة الأطراف حاليا على تحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن إذا رفضت طهران وقف برنامجها النووي. وأنا لا أعرف ما الذي يمكن أن يحدث عند عرض الملف على المجلس؟ - هاس: ولا أنا أيضا. والأهم بالنسبة لي هو حدوث إجماع في المجتمع الدولي على عقاب إيران في حال رفضت وقف برنامجها النووي سواء جاء هذا الإجماع من جانب مجلس الأمن الدولي أو بعيدا عنه. وأنا أشك في أن تؤدي السياسة الأمريكية الراهنة إلى تحقيق هذا الاجماع. فالسياسة الناجحة تحتاج إلى ثلاثة عناصر أساسية: الأول ضرورة تحديد المطلوب من إيران بشكل واضح تماما. والثاني حوافز مغرية تحصل عليها إيران في حالة موافقتها على تنفيذ المطلوب منها. والثالث قائمة محددة بالعقوبات التي ستواجهها إيران في حالة رفضت تنفيذ ما هو مطلوب منها. وأنا اعتقد أنه لا الولايات المتحدة ولا القوى العالمية الأخرى تمكنت من الاتفاق على مجموعة الحوافز والعقوبات التي يمكن مواجهة إيران بها. لذلك فأنا أرى أنه من الضروري أن تبدأ الولايات المتحدة بالحديث مع الأوروبيين والروس والصين من أجل التوصل الى قائمة متفق عليها بالعقوبات أو بالحوافز التي سيتم عرضها على إيران أفضل من تبديد الوقت في جدل غير مجد بشأن تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن. * ألا تعتقد أنه سيكون من الصعب استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على إيران أحد منتجي النفط والغاز الرئيسيين في العالم في الوقت الذي تحتاج فيه الصين إلى ما تنتجه إيران من هاتين السلعتين الاستراتيجيتين؟ - هاس: اعتقد أنه سيكون صعبا بالفعل. وهذا يبرز طبيعة المشكلات التي نواجهها في عالم اليوم. فنحن في حاجة إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من التوافق أو الإجماع بين القوى العالمية الرئيسية. فببساطة شديدة لا تمتلك الولايات المتحدة القدرات اللازمة للقيام بعمل عسكري منفرد ضد إيران. وأنا ببساطة أرى أن الخيار العسكري غير جذاب في التعامل مع هذا الملف. كما أنني أرى أن إيران تستطيع الرد على الضربة الأمريكية ضدها ردا موجعا ضد المصالح الأمريكية في العراق وأفغانستان وكذلك في منطقة الخليج العربي أيضا. بالإضافة إلى أن خروج النفط الإيراني من السوق العالمية يمكن أن يرفع أسعاره إلى آفاق جديدة في الوقت الذي ارتفعت فيه هذه الأسعار بالفعل إلى مستويات قياسية تهدد اقتصاديات الدول الكبرى. كل هذا يدفعني إلى المطالبة بتبني الخيار الدبلوماسي في التعامل مع الأزمة الإيرانية. ليس هذا لأنني واثق بنسبة مائة في المائة من نجاح هذا الخيار وإنما لأنني أعتقد ببساطة أنه أقل الخيارات المتاحة سوءا. الحرب على العراق
* كتبت فصلا قويا عن حرب العراق في كتابك الأخير.. ولكن ظل سؤالا مهما بلا إجابة، لماذا شنت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الحرب؟ - هاس: بمنتهى الأمانة لن أجيب على هذا السؤال ليس لأنني لا أريد ولكن لأنني لا أستطيع الإجابة عليه. فأنا شخصيا واجهت صعوبة بالغة في فهم مبررات الإدارة الأمريكية لشن تلك الحرب. وكما ذكرت في كتابي فإنني اعتقد أن قرار شن الحرب كان بناء على نصيحة سيئة. وبالتأكيد هذا لا يعني أنه لم تتحقق أي فوائد من الحرب ضد العراق؛ فرحيل صدام حسين عن الحكم أمر جيد بكل تأكيد، ولكن تقديري للحرب ينتهي دائما إلى حقيقة أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة لتلك الحرب كانت أكبر كثيرا مما تحقق منها من فوائد. ولكن ما لا أستطيع الإجابة عليه هو معرفة لماذا كان الآخرون في الإدارة الأمريكية على ثقة كبيرة من تحقيق ما توقعوه من فوائد. في الوقت نفسه فإنهم ربما تصوروا أن الثمن الذي ستدفعه أمريكا في هذه الحرب ستكون في حدها الأدنى؛ لذلك فإنهم كانوا يرون أن هذه المغامرة تشكل وسيلة لتحقيق إنجاز مثير بسهولة كبيرة، ومن الواضح تماما أن حساباتهم كانت خطأ تماما سواء بالنسبة للفوائد أو بالنسبة للخسائر في هذه المغامرة. وأنا كنت أشك تماما في تصوراتهم على الجانبين. كما أن الإدارة الأمريكية كانت تشعر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بحاجة ملحة لإرسال رسالة إلى العالم تقول إن موازين القوى الجيوبولتيكية مازالت في صالح الولايات المتحدة رغم الضربة المؤلمة التي تلقتها في ذلك اليوم. وكانت الإطاحة بنظام حكم مثل نظام صدام حسين وسيلة مناسبة لإرسال هذه الرسالة وبخاصة للإيرانيين والكوريين الشماليين وغيرهم. وكان زملائي سابقا في الإدارة الأمريكية يرون أن هذه فائدة إضافية غير مباشرة للحرب ضد العراق.. ولكنني كنت أشك في ذلك أيضا. يأس وإحباط
* في كتابك ظهرت محبطا لأن أيا من الرؤساء الثلاثة الأمريكيين الأخيرين لم يفعلوا ما كنت تراه واجبا على الصعيد الدولي.. فما تعليقك؟ - هاس: إذا كانت رؤيتي صحيحة فإن هناك فرصة تاريخية غير مسبوقة لإعادة تنظيم العالم للتعامل مع تحديات العولمة. وإذا كنت على صواب أيضا فإن هذه الفرصة لن تستمر إلى الأبد. وما أزعجني أن آخر رئيسين وربما آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة لم يبذلوا الجهد الكافي لاستغلال هذه الفرصة. ليس هذا فحسب بل إن ما زاد قلقي حقيقة أن التصرفات الأمريكية خلال السنوات الأخيرة تهدد القاعدة الاقتصادية للقوة الأمريكية. وهناك احتمال أن ينتهي الحال بالولايات المتحدة وقد خسرت أغلب دول العالم فلا تجد من هذه الدول من يقف إلى جوارها في مواجهة المشكلات في الوقت الذي ندمر فيه قوتنا الاقتصادية من خلال السماح بتضخم عجز الموازنة الأمريكية وعجز الميزان التجاري وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية وتراجع القدرات التنافسية للولايات المتحدة في السوق العالمية. ولعل هذا هو ما دفعني إلى كتابة هذا الكتاب نتيجة شعور مخلص بأننا نبدد فرصة تاريخية. فنحن الآن في بداية القرن الحادي والعشرين وقد تلاشى خطر خوض حرب ضد قوة عسكرية كبرى. كما أن الولايات المتحدة تمتلك كل القدرات اللازمة لخوض مثل هذه الحرب والانتصار فيها. كما أن باقي دول العالم لا تفكر في تحدي القوة الأمريكية، بل على العكس فهناك استعداد لدى هذه الدول للعمل معنا. وأن لا أرى أننا نترجم هذه اللحظة إلى تحرك بناء ومثمر، بل على العكس فإننا نتحرك بصورة تؤدي إلى تبديد هذه الفرصة. وسيكون حكم التاريخ علينا قاسيا جدا إذا سمحنا لهذه الفرصة بالضياع. البديل الديمقراطي
* هل تعتقد أن الأمور كانت ستصبح أفضل لو أن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جون كيري قد فاز في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2004؟ - هاس: لا أعرف! ولكن ما أعرفه ببساطة أن كيري كان سيرث نفس العالم ونفس المشكلات التي ورثها الرئيس بوش في يناير عام 2005 في مستهل فترة رئاسته الثانية. وهذا العالم وهذه المشكلات أسوأ كثيرا وأخطر مما ورثه الرئيس جورج بوش في مستهل فترة رئاسته الأولى في يناير عام 2001 خلفا للرئيس بيل كلينتون. فاتجاه الأحداث وتطوراتها ليس جيدا. ونحن نبدد قدراتنا ليس فقط منذ انهيار جدار برلين عام 1990 معلنا انتهاء الحرب الباردة ولكن أيضا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. فبعد هذه الهجمات كانت كل دول العالم مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة في مواجهة التحديات الجديدة التي فرضت نفسها على العالم. ولكي يكون تقييمنا عادلاً فإننا حققنا بعض التقدم في بعض المجالات. فقد تكامل العالم وتعاون بصورة جيدة في جهود مواجهة الإرهاب. وقد حققنا بعض التقدم على هذه الجبهة. وما يقلقني أننا لم نحقق نفس التقدم في مجالات عديدة أخرى.
|