Monday 13th June,200511946العددالأثنين 6 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

الكوكب الذي يتزين كل يومالكوكب الذي يتزين كل يوم
عبدالكريم بن صالح الطويان

بواسطة أصابع الزينة، تطوي المرأة البساط تحت أقدام الرجل، الذي يختنق داخل شرنقة الحرير، وفي الوقت الذي تنسج فيه ملكة الحرير خيوطها يظنها الرجل تُنسج له! بينما هي خارج الظاهرة تلتف عليه!
وفي الوقت الذي يُطوى فيه البساط، يكون الرجل أول ضحايا الزينة حين يكتشف أنه فقد كثيراً من مساحة البساط الذي يقف عليه!
وفي التاريخ القديم، قال عنترة بن شداد:


(إن الرجال لهم إليك وسيلة
إن يأخذوك تكحلي وتخضبي)!

وظل الرجل مفتوناً بالمرأة، وظلت المرأة على تقادم العصور، تسيطر على عنتريته وشدته بسلاح الكحل والخضاب، ليس لها قوته وعضلاته وسطوته، لكنّ لها الجمال الذي يتجلى بالزينة:


(نحن قوم تذيبنا الأعين النجل
على أننا نُذيب الحديدا)!

وكما أن القمر مصدر الزينة والجمال في الفضاء بإطلالته الليلية على الأرض، فإن المرأة قمرآخر على سطح الأرض يتجلى كل حين، ويتزين في كل لحظة!
ولئن كان قمر الفضاء يُؤثر في حركة البحار على الشطآن مداً وجزراً! فإن المرأة تُؤثر في حركة الرجل على الأرض جيئةً وذهاباً!
ولقد ثبت قمر الفضاء في زينته وتأثيره على مد العصور دون تطور أو تغيير! لكنّ قمر الأرض ما زال يتعملق في أسرار زينته وتأثيره فيكسب كل يوم أرضاً جديدة وامتيازات أكثر، وتأثيراً أبعد عمقاً!
كانت (بريدة) قبل أربعين عاماً بلدة طينية صغيرة لا تتعجب حين تعلم أن نسبة من النساء لا يقتنين العباءة لأنهن لا يخرجن من بيوتهن! وأن بعض النساء تتزوج دون أن يُؤخذ رأيها مُسبقاً! وأن جمع النساء في المناسبات العامة لا يقلطن على الطعام إلا على فضلة الرجال! ولا تجد في سوق البز (القماش) سوى بضعة محلات معدودة مغمورة وأقل منها للذهب والأواني المنزلية!
اليوم تحولت بريدة القديمة بكامل مساحتها الأولى إلى سوق نسائي كبير، تتنافس على بيع مقتنيات المرأة، من قماشٍ وذهب وأصباغ وعطورات وأوانٍ منزلية!
وتكاثرت مراكز التسوق النسوي، التي بنيت بعشرات الملايين بل بمئاتها كفروع لماركات عالمية لزينة المرأة وجمالها!
ولو عملت إحصائية للمحلات والمراكز المتخصصة باحتياج المرأة والرجل من الثياب والزينة لوجدت للرجل كسراً بالمئة وللمرأة الباقي بعد ذلك!
تدخل هذا الصرح الممرد من قوارير وزجاج وأضواء وجمال باهر، الرجل يدفع العربة و(بلقيس) تتسوق، كل شيء هنا من أجلها ولخدمتها وراحتها، الأحذية والعطور والملابس والذهب والفضة!
إنها الكوكب الأرضي الذي إذا بان وظهر اختفت النجوم! لكن هذا الكوكب الذي يتزين كل يوم مازال لمعانه يخطف الأبصار وفي لحظات خطف الأبصار، يخطف المزيد من الصلاحيات والحقوق والامتياز من شقيقه على الأرض!
قال لي أحد الرجال وهو يتذكر مناسبة قديمة: همست في أذن عمي، والرجال يشربون القهوة: يا عم ماذا عن عشاء الحريم!
فنظر إلي نظرة كدت أسقط منها، ثم قال: لا تتحدث عن الحريم الآن، الرجال أولاً، وبعدهم الحريم!
اليوم النساء أولاً: يظل قصر الأفراح وخلفه رجال المناسبة يتعاقدون ويحجزون لطعام وعصائر وحلويات وفواكه النساء لعشاء العرس! ويتفننون في أنواعها وأجناسها وعرضها، حتى لتُعد أنواعها بالعشرات، أما الرجال فيقلطون على نوع واحد: صحن من الأرز وفوقه قطعة من لحم البعير!
ولِم العجب..؟!
فالرجل الذي استخدمته المرأة جملاً لمحامل زينتها وأوقرته بثقيل المطالب والأحمال! استحال إلى جمل مُحمل بالخشب، إن رفع رأسه ضربه حِمل خشب الزينة، وإن طأطأ سار إلى حيث يُلقي حمله بسلام! فلم يبق لهذا البعير المثقل سوى غنيمة إلقاء الحمل عن كاهله! وأنّى له أن يحظى بتلك الغنيمة!!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved