عادت بي الذاكرة -أو عدت بها- عندما علمت بأن هذه الصحيفة ستصبح يومية إلى ذكر بعض العقبات التي اعترضت أول صحيفة صدرت في الرياض. والواقع أن كل عمل مهما كان لابد من أن يعترض طريق تحقيقه والاتيان به كاملاً متاعب تتلاءم مع العمل نفسه، ولا أدري هل إطلاق وصف البحث عن المتاعب على مهنة الصحافة في محله أم لا؟ وإنما الذي أدريه أن العمل كل ما كان عظيماً نافعاً كان ما يلاقيه القائم به من المشقة والتعب يتلاءم مع ذلك العمل. حينما فكرت في إصدار صحيفة في مدينة الرياض اعترضتني مشكلة موافقة الجهات المسؤولة إصدار تلك الصحيفة فمع أن صحافة بلادنا في ذلك الوقت مضى لها قرابة ثلاثين عاماً إلا أنها كانت منحصرة في المنطقة الغربية ومثلها الطباعة ويرجع هذا إلى أسباب لها صلة بانتشار التعليم أكثر من أي أسباب أخرى. ثم أن وجود صحافة في الرياض يستلزم وجود مطبعة وهذا يتوقف بعد موافقة المسؤولين، على وجود رأس مال يكفي لانشاء مطبعة تكون على درجة من القوة تليق بمدينة عظيمة آخذة في النمو والازدهار. ولقد وجدت من جميع ممن بيدهم الحل والعقد من العون والمؤازرة ما هيأ لي الحصول على إذن بإصدار صحيفة، وبإنشاء مطبعة، فبدأت بالأمر الأول، إذ هو الأسهل، وقررت أن تكون الصحيفة شهرية أول الأمر، وأن طريق التدرج بها حتى تصبح يومية، وبعد أن منحتني الجهة المسؤولة إجازة إصدار الصحيفة بالاسم الذي صدرت الموافقة من الجهات السامية به وهو (الرياض) اتجهت إلى أشهر مطابع بلادنا في المنطقة الغربية فعلمت أن تلك المطبعة لا تستطيع في ذلك الوقت القيام بطبع الصحيفة الشهرية، وإنها ستتهيأ بعد شهور قليلة للقيام بذلك وخوفاً من ضياع الوقت بادرت إلى إصدار الصحيفة وطبعها خارج البلاد فكان أن طبع الجزء الأول من السنة الأولى وصدر في شهر ذي الحجة سنة 1372هـ (أغسطس 1953م) مطبوعا بمطابع دار الكتاب العربي في القاهرة باسم (الرياض) وبقيت مشكلة نقله، فهو يقارب 100 كيلو، وأجرته جوا تكلفني دفع مرتبي ثلاثة شهور وهذا مما يؤثر عليّ تأثيراً لا أطيق احتماله، ونقلها بطريق البحر يسبب تأخرها شهوراً، فكان أن توجهت بطلب إلى إحدى الجهات الكريمة لنقل الصحيفة على حساب تلك الجهة، ولكنني فوجئت بأمر لم يكن في الحسبان بعد أن قدمت لتلك الجهة الجزء الأول مطبوعاً حيث اعترض أحد الإخوان على الاسم بحجة أنه أولى مني باستعماله، وأنه سيصدر صحيفة تسمى به، فكان الأمر بتغيير اسم المجلة وهذا عقبة أخرى يجب اجتيازها، ومن حسن الحظ ان نظام المطبوعات في ذلك الوقت يدع اختيار الاسم لصاحب الصحيفة، فكان أن اخترت اسم (اليمامة) ولم أكن أقصد الناحية المعروفة من بلادنا فحسب بل قصدت ما يدل عليه هذا الاسم من معان أخرى أيضاً، وتقدمت لقلم المطبوعات في وزارة الخارجية موضحا أن ظروفاً خاصة دفعتني إلى تغيير الاسم الأول ولم أنتظر جوابا إذ الأمر لا يتطلب ذلك، وكان أن غيرت الغلاف والورقة الاولى بتغيير الاسم الأول مع تكرر الاسم القديم في مقالات في داخل الجزء، مما دفع أحد الناقدين إلى كتابة مقال في مجلة (صوت البحرين) يثني على المجلة، ولكنه يأخذ على صاحبها جهله بمهنة الصحافة مستدلاً على تكرر الاسم القديم في بعض المقالات، ولم يعرف السبب، ولم يدرك ما يتطلبه إعادة طبع الجزء كاملاً من نفقة هي بالنسبة لي في ذلك الوقت تعتبر باهظة. ثم اعترضتني عقبة جديدة هي أنني أبلغت من الجهة المسؤولة بتغيير اسم اليمامة ليكون (يمامة نجد) أو (نجد اليمامة) ولأنني أجهل الغاية من التغيير فلم أوافق وسارت الأمور سيراً حسناً. وطبع الجزء الثاني في مطبعة الرسالة بمصر، ولقيت الصحيفة إقبالاً من القراء، ومؤازرة من رجال الدولة فوق ما كنت أتوقع. وعاودت الاتصال بإحدى مطابع بلادنا فكان أن اتفقت مع مطبعة البلاد السعودية، ويتولى إدارتها في ذلك الوقت الصديق الأستاذ عبدالله عريف الذي وجدت من كرمه ومؤازرته ما هيأ السبيل لطبع ثلاثة أجزاء هي الرابع والخامس والسادس، ولقد كانت تلك المطبعة بحالة من الضعف سببت عدم صدور تلك الأجزاء في أوقاتها مع حرص الأستاذ عبدالله على أن تخرج الصحيفة بصورة مرضية. كان الصديق الكريم الشيخ عبدالله بن خميس من أسرة تحرير اليمامة، وهو الذي يشرف على طبعها في مكة، فتذمر واستاء من تأخر صدور الصحيفة، فكتب فيها كلمة قال: (فررنا من المطابع المصرية لكثرة الأغلاط ولهوة البعد السحيقة بيننا وبين المطبعة، فاخترنا مطابع البلاد لتكون الفائدة مزدوجة، فانعكست القضية، وجاءت الخسارة بالنسبة إلينا مزدوجة).قال ذلك في كلمة نشرت في الجزء السادس جمادى الأولى 1373هـ فكان هذا سبباً بأن تقول لنا المطبعة: ابحثوا عن مطبعة أخرى، فنحن لا نستطيع طبع الصحيفة!! وكان القول حقاً، فما كانت تلك المطبعة قادرة في ذلك الوقت. التجأنا إلى مطبعة أخرى في جدة، ولكنها لم تستطع أن تطبع سوى الجزء السابع الذي لم يصدر إلا بعد مرور شهرين على زمنه، وبمظهر يغاير مظهر الصحيفة وأقولها كلمة حق: لقد كان المشرفون على تلك المطبعة كرماء حقاً، وحريصين كل الحرص على أن يمدوا يد المساعدة، غير أن الأمر خارج عن طاقتهم. وعاودت الطباعة في الخارج في الوقت الذي كنت أواصل السعي لإنشاء مطبعة في الرياض ولم يتم ذلك إلا في شهر رمضان سنة 1374هـ حيث طبع أول جزء من الصحيفة فيها، وهو الجزء التاسع من السنة الثانية، ومما جاء فيه: (ان انشاء دار للطباعة والنشر في مدينة الرياض يعد من الأمور العظيمة الأثر في تطور الحركة الفكرية الثقافية في بلادنا، وسيأتي أناس ينظرون إليه نظرة تغاير نظرتنا إليه اليوم، وإن يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شهر شعبان سنة 1374هـ الذي دارت فيه تلك الآلات دورتها الأولى فأخرجت أول ورقة مطبوعة هي الملحق الخاص للجزء الثامن من السنة الثانية من مجلة اليمامة ليعتبر من أيام هذه المدينة المعدودة) ليس من المبالغة ما في ذلك الكلام من الإشارة إلى أثر انشاء أول مطبعة في الرياض على الحركة الثقافية الفكرية، فلقد سهل وجود المطبعة الطريق لصدور صحف أخرى في مدينة الرياض فقد صدرت صحيفة القصيم في شهر جمادى الأخرى سنة 1379هـ، ثم صدرت صحيفة الجزيرة (هذه) في شهر ذي القعدة من السنة نفسها وصدرت شهرية. وصدرت صحف أخرى غير الصحيفتين المذكورتين كلها كانت تطبع في مطابع الرياض. الجزيرة توأمة لليمامة عانى الصديق الكريم الأستاذ عبدالله بن خميس العمل الصحفي قبل إصدار مجلة الجزيرة، فقد أشرف على طباعة اليمامة في مكة كما تقدم، وشارك في تحريرها، وكانت له يد كريمة على هذه المجلة يجب أن تذكر فتشكر، لقد آزرها مؤازرة مادية ومعنوية. ثم أصدر مجلة الجزيرة توأمة لليمامة من حيث الهدف والموضوع، بل لقد حلت محلها بعد أن أصبحت اليمامة صحيفة اسبوعية لا تقتصر على الأبحاث والدراسات العامة بل تتناول الأخبار ومطالب القراء وتعالج بعض القضايا العامة. وقد أصبحت الجزيرة - والحق يقال - في الفترة الأولى من عهدها على جانب كبير من إشباع نهمة القراء المتطلعين إلى البحث والدراسة في مختلف النواحي الأدبية والتاريخية وغيرهما. الصحف اليومية بلغت حد الترف والحديث عن المجلتين يجر إلى الموضوع الذي كتبت هذه الكلمة من أجله، وهو صدور هذه الصحيفة يومية والواقع أن الصحف اليومية في بلادنا، بلغت درجة من الكثرة بالنسبة لمن يحسنون قراءة الصحف بحيث أصبحت ترفاً زائداً، فلو نظرنا إلى من سبقنا في مضمار التقدم الثقافي من البلدان العربية وقارنا بين ما يصدر في تلك البلدان من الصحف وما يصدر عندنا لوجدنا أننا تقدمنا كثيراً عليها من حيث عدد الصحف اليومية فنجد مثلا أن نسبة المتعلمين في مصر بل في كل الأقطار العربية أرفع من نسبتهم في بلادنا، ففي مصر مثلا وسكانها يقاربون الـ40 مليوناً لا تتجاوز الصحف اليومية أربعاً وفي سورية لا يصدر سوى صحيفتين يوميتين، بينما يصدر في بلادنا خمس صحف يومية وستبلغ في شهر رجب من هذا العام سبعا، وإذا قارنا هذا العدد بنسبة المتعلمين من سكان بلادنا، ولنعتبر هذه النسبة 10% من السكان الذين نفرض أنهم يبلغون 7 ملايين إذا قارنا عدد تلك الصحف بتلك النسبة أصبح لكل 100 ألف نسمة جريدة يومية، بينما لو طبقناها على مصر لخرج لكل صحيفة يومية من المتعلمين ما يقارب 150 ألف نسمة مع ملاحظة أننا بالغنا في عدد المتعلمين عندنا فضاعفنا ما جاء في بيانات (منظمة الاونسكو) أكثر من ثلاث مرات، وقل مثل ذلك بالنسبة لبقية الأقطار العربية الأخرى، باستثناء لبنان الذي تقوم فيه كثرة الصحف على اعتبارات سياسية وفكرية متعددة ومختلفة قد صان الله بلادنا منها. أنا أعلم أن المقام هنا مقام تحية وترحيب بصحيفة يومية، وما كان مثل ذلك الكلام يطابق هذا المقام ولكننا يجب أن ننظر دائما إلى كل أمر من أمورنا نظرة متجردة من كل غاية لا تمت إلى مصلحة بلادنا. فما هو نفع هذه البلاد من سبع صحف أو سبعين صحيفة يصح أن يقال عنها بأنها تكاد من حيث التشابه في موضوعاتها أن تعتبر جريدة واحدة؟! ثم ما هي الفائدة من كثرة هذه الصحف، ولا يوجد في بلادنا من المتعلمين ما يلائمها كثرة؟ ثم ما هي غاية الصحف إذا لم تسهم في رفع المستوى الثقافي والفكري في البلاد؟! إن من الخير لبلادنا أن يوجد في كل مدينة جريدة يومية واحدة بينما ينبغي أن يكثر عدد المجلات التي تقدم للقراء غذاء دسماً نافعاً قد يقال: ولماذا لا نطبق النظرة السابقة على المجلات؟ والجواب أن المجلة إذا دخلت في بيت يوجد فيه واحد يحسن القراءة بين عدد كثير من العوام من أهل ذلك البيت فإنهم سيستفيدون منها، وأقول هذا عن خبرة، فلقد كان يتصل بي ولا يزال كثيرون ممن لايحسنون القراءة والكتابة يناقشونني في موضوعات تاريخية وجغرافية وأدبية نشرت في بعض الصحف. محرر الصحيفة اليومية كمدلل الأطفال ولقد كنت أول من تولى تحرير جريدة يومية في هذه المدينة، ومع ما يقاسيه رئيس تحرير الصحيفة اليومية من مشقة، وما يصرفه من جهد، فإن عمله لا يعدو عمل مدلل الأطفال (ومدللهم) عليه أن يقدم لهذا لعبة غريبة المنظر، ولذلك أخرى تبعث له السرور، ولغيره صورة تضحكه، ولآخر تسليه، وهلم جرا، وكنت أتلقى من كثير من القراء (المتعلمين) طرائف وغرائب من النقد، فهذا يقول: لو كان هذا الخبر في الصفحة الأولى لكان لافتاً للنظر، وذاك يرى في هذا العنوان وضوحاً ما كان محتواه يستحقه، وآخر يؤكد أن هذه الصورة لو وضعت مقلوبة لبلغت حداً من الطرافة تجعل الاقبال على الجريدة عظيماً!! إلى غير ذلك مما هو أقرب إلى ما يطلبه الأطفال من (مدللهم) ومسليهم. وبالإجمال فإنك قل أن تجد حتى من بين المثقفين المتعلمين من يرى في الجرائد اليومية ما يصرف انتباهه أو يدفعه إلى البحث والاستزادة باستثناء موضوعات فردية في الغالب. خطأ فكرة الجريدة صورة وخبر ويجرنا الحديث إلى تناول الموضوعات التي تطرقها صحفنا اليومية، فلقد طغت على هذه الصحف فكرة اعتبار الجريدة اليومية صورة وخبراً أو عنواناً، وأصبحنا لا نكاد نجد واحداً من بين شبابنا الذين يمارسون مهنة الصحافة إلا قد تأثر بتلك الفكرة الخاطئة بالنسبة لبلادنا، ونقول خاطئة لاعتبارات شتى: أولها: ان تلك الفكرة نشأت في بلاد لا يوجد فيها أمي واحد ويوجد فيها كل وسائل القراءة من صحف ومجلات وجرائد وغيرها متخصصة في كل جانب من جوانب الحياة وفي مثل هذه البلاد لا يحتاج القارئ إلى أن يستزيد ثقافة ومعرفة من جريدة يومية، ولا يجد متسعاً من الوقت لكي يستوعب كل ما في الصحيفة اليومية قراءة. وثانيها: ان الذين يقومون على إصدار الصحف اليومية في تلك البلاد على مستوى من الثقافة أرفع بكثير من مستوى من يتعاطى الصحافة عندنا، وأولئك يفهمون نفسية قرائهم كل الفهم، فهم حينما يضعون صورة أو خبراً لا يتجاوزون فيما يضعونه ما يلائم نفسية القارئ، وقل لي بربك ما الذي يعني قارئ الصحيفة في بلادنا حينما يشاهد صورة الفنان أي فنان كان بوضع شاذ عما ألفه وما الذي يعنيه من حياة الفنان الخاصة في مأكله ومشربه وملبسه؟! وثالث تلك الاعتبارات: ان المرني والمذياع قضيا على فكرة الصورة والخبر وابطلاها حتى في بلادنا وهذا أمر لا يحتاج إلى إيضاح. ورابع تلك الاعتبارات: ان هدف الصحافة في بلادنا يجب أن يكون ملائما لحالة هذه البلاد من كل الوجوه فنحن أحوج ما نكون إلى بث الوعي ونشر الثقافة التي تتوقف عليها حياة أمتنا. وأنا لا أريد أن أقف موقف الواعظ ولكن موقف المقرر للحقيقة فأمتنا ذات كيان خاص يجب الحفاظ عليه إذا أردنا الحفاظ على أمتنا وبقائها قوية. ولئن ساغ الاقتباس من الحضارة الغربية والانتفاع بتلك الحضارة، فإن ذلك الاقتباس وهذا الانتفاع يجب أن يكون لهما من الحدود ما يحول دون القضاء على ما يجب أن يبقى مميزاً لنا من كيان. حمد الجاسر * الجزيرة.. بالرغم من كون سعادة الشيخ أستاذ الجيل.. وأب (كل) الصحفيين الأستاذ حمد الجاسر موجود ومقيم في بيروت.. بالرغم من مشاغله الكثيرة والمتعددة حيث يشرف على تحرير مجلة (العرب) الغراء.. وعلى منشورات دار اليمامة.. بالرغم من ذلك فهو يقدر صحافة بلاده التي غذاها بفكره.. ونتاجه.. فبمجرد أن كتبنا لسعادته نطلب منه المساهمة في الجزيرة (اليومية) حتى وافانا - مشكوراً - بهذه المقالة.. كما وعد بالكتابة للجزيرة دوما.. هناك نقطة ننبه القارئ عليها هي أن المقالة كتبت قبل صدور الزميلة جريدة (اليوم) يومية..
|