عالم كرة القدم عالم (مجنون)، والجنون ليس صفة ذامة دائماً. فالعبقرية كثيراً ما توصف بالجنون. فوادي عبقر الذي قيل إن الجن تسكنه، لم يكن يعرف إلا بوادي الجن، حتى حلَّ فيه ذلك الأعرابي الذي اتصف بالذكاء الخارق، وحسن قراءة الموقف، ثم إصدار الحكم الصحيح، فنسب إليه المكان، حيث يقيم، فقيل كناية عن ذكائه العبقري حينما يشار إليه بدلاً من المجنون، لما تبيّن لهم ما هو عليه من الحكمة والتبصّر، والبصيرة النافذة، حيث ظن الناس فيه أنه يستعين بالجن قبل أن يقفوا على ذكائه، فقيل عبقري نسبة إلى واد عبقر الذي يعرف بسكن الجان فيه. (ضايق عبقر الجن فرحلوا إلى حيث يقيم المجانين في مثلث برمودا). وبما أن كرة القدم موصوفة بالمجنونة, فلا ضير من أن يوصف المولعون بها إلى درجة ما.. بالعبقرية ولو كانت عبقرية محصورة داخل إطار بألوان الشعارات.. وهو ما تبيَّن مما نشرته الصحف والصفحات الرياضية بعد نهاية مبارة الناديين الكبيرين الهلال والاتحاد يوم السبت المصادف 20 ربيع الآخر ضمن جدول مباريات دوري كأس خادم الحرمين الشريفين.. من تباين وتنافر، وتلاقح والتقاء للأفكار والآراء حول أحداث المباراة المذكورة.. ولم نخرج بحصيلة موصلة إلى عين الحقيقة أو حجة بالغة مقنعة من أي من الكتَّاب الذين تباروا في تظهير ألوانهم. وكأن القارئ إمعة العقل والوعي. فاقد لحاستي البصر والسمع. غائب الفهم والإدراك.. كأن القارئ الرياضي لم يشاهد ما شاهده الكاتب، ولم يع ما وعاه من القوانين الحاكمة لسلامة وأخطاء اللعبة. البعض من الكتَّاب الرياضيين. احتكر فقه القانون نصاً وروحاً. وأراد أن لا يفهم القارئ إلا ما يملي ويحقن الكاتب من وعيه وفقهه بالقانون. بعض الكتَّاب احتكر الحقيقة لنفسه، وأرادها ناصعة في ذهن القارئ كما يريد. فالبعض وبين ثنايا سطورهم على أعمدتهم وزواياهم المعتادة. وجدوا في تحكيم المطلق لمباراة الهلال والاتحاد سانحة ليؤكِّدوها على الملأ بأنهم فيما لو أتيحت لهم الفرصة، للوّنوا أحرف كتاباتهم بألوان شعارات أنديتهم. فما بال كيلهم عبارات الثناء والمديح للحكم. ولوي عقل وذهنية القارئ بحسابات الزمن (دقائق وثوان) وكأن هدف الاتحاد في مرمى شقيقه الهلال - قطع رأس الضيغم في معركة متكافئة (هل يتكافأ البشر والضيغم في المواجهة المجردة إلا من الأنياب والأظافر؟) بعض الكتَّاب حينما كتب أو يكتب يغيب في ظل العاطفة الضيقة. فيفقد رصيداً كبيراً من قراءة. ذلك أنه يغيب وعيهم ويستخف بإدراكهم, حينما كتب وكأنه من خطَّ قانون اللعبة، ونقطة نقطة. لم يدرك أنه بمنهجه المغلوب عليه بعاطفة الميول الفاضح يقع في الخطأ الأكبر، حيث يتصور أنه تشفى من غريمه سواء كان كاتباً أو نادياً أو ناقداً بتصويب أو تخطئه قرارات هذا أو ذاك من الحكام.. بينما هو يقلِّل من قيمة ما كتب وما سيكتب. حينما يقرر بإرادته أنه كما لو كان واضع قانون اللعبة وبالتالي يملك حق التفسير, ولم يستحضر وهو ينشئ مقاله أنه يكتب للجاهل الذي يحتاج للتوعية، وللواعي الفقيه بقانون اللعبة، والرياضي النفس المستمتع باللعبة من ذوي الاختصاصات العلمية المختلفة.. فإذا كان الكاتب الرياضي قاصر الوعي على قانون لعبة من الألعاب الرياضية.. فلا يعدو وجوده وقلمه وما يكتب من زيادة في نسخ أو المستنسخ من قانون اللعبة.. وإذا لم يستحضر وهو ينشئ أنه يكتب لمجتمع متكامل من الرياضيين والاقتصاديين والاجتماعيين، والسياسيين والمؤرخين.. إلخ، وأن هؤلاء أفراداً وجماعات متابينون في أذواقهم الأدبية والرياضية وقدراتهم الذهنية والثقافية بقدر تباين اهتماماتهم وأولياتهم وفق حالاتهم النفسية وقت قراءة المكتوب.. وهو ما ينعكس سلباً وإيجاباً في أذهانهم في تكون الصورة عن الكاتب وقدراته وكفاءته وقدرته على التأثير في القارئ بقدر قدرته على قراءة وإدراك محيطه الاجتماعي الذي يفترض أنه حينما ينشئ يكتب فإنما يكتب مستحضراً خدمته من كل الجوانب والوجوه. ما الذي استفدنا من فرض الجهل في القارئ بقانون لعبة (كرة القدم) من كتابات بعض الكتَّاب الذين رموا بثقلهم خلف تأييد قرارات بعضهم إلا بفرض الجهل فينا بقانون اللعبة, لأن أياً منهم لم يستحضر أنه يخاطب قارئاً مثقفاً قادراً على الفرز، فلم يكتب عبارة بسيطة في رسمها عظيمة في مدلولها، فيذكر قرار الحكم حيال حدث مخصوص (كقرار ركلة الجزاء للاتحاد) ويحلِّل احتمالات الخطأ والصواب عند الحكم. ثم يأتي بالبلسم قائلاً وأرى أن قرار الحكم كان صائباً. أو أن قرار الحكم جانبه الصواب للاعتبارات القانونية والوقائع الميدانية، والزمنية المحيطة بالقرار فيسردها.. أما وقد نهج بعض الكتَّاب بين منهجين منهج الجزم بخطأ الحكم وكأنهم من شرع قانون اللعبة وفسَّره، وبين من صوَّب القرار وأكَّده. فماذا عسانا نحن القراء أن نستفيد من تناقض وتضاد المواقف بين مؤيِّد مؤكد، وبين مخطئ ناقد؟؟ الخلاصة أن هذا المنهج المتناقض في نقد الحكام والذي لا يتجاوز التأييد إذا وافق الميول، والمعارضة إذا جانب الميول هو الذي أدى إلى كثرة التهجم والتقليل من كفاءة حكامنا السعوديين رغم أنهم مبدعون داخلياً وخارجياً إذا خلت عقولهم من الضغوط النفسية التي تسبقهم قبل إقامة المباريات والدليل ما نشاهده ونعيه من قرارات موغلة في الإجحاف والانحياز في المباريات المنقولة من مختلف أنحاء العالم.. لست من المؤيِّدين لجلب الحكام الأجانب. لكني مؤيِّد بقوة لمواجهة حكم الساحة ومساعديه مع خبير تحكيم حيادي لا ينتمي للجنة التحكيم - إنما لأحد المراكز العلمية المتخصصة كالجامعات والمعاهد -. ولو استجلب من خارج الوطن ليناقش مع مقدِّم مثقف ثقافة رياضية سواء كان من القناة الرياضية أو من خارجها على الأخطاء المرتكبة. لا لغرض التشهير كما يفهم. إنما لغرض ثقافة المجتمع الرياضي. لكي لا تظل مصادر ثقافة المجتمع بقانون اللعبة ما يكتبه بعض الكتَّاب بألوان ميولهم. إلى أن يحين الوقت ويجود الزمان بعبقري يسكن وادي الجن. يمتاز بالحكمة والبصيرة والثقافة الواسعة.. فيحلِّل لنا بلون العقل والحكمة والوعي ما يرشدنا إلى الصواب. والله من وراء القصد.
|