جنة مظلمة
نيويورك .. نائمة!!
قصة: منصور العتيق

كانت الساعة تشير إلى السادسة .. الوقت ليس متأخراً جداً لكن أي طفل نيويوركي يعرف أنّ السير في الشارع في هذه الساعة ما هو إلاّ شروع في الانتحار ..!
ولكن سائحاً غبياً مثلي يريد أن يتجول .. يريد أن يستكشف الأرض التي أقنع نفسه بأنّها .. جنة..
- سأمشي بهدوء .. ولن أزعج أحداً ..
- ستقابل زنجياً لا يروق له هدوؤك!!
- سأحمل مسدساً!!
- سيعترضك سكير يحمل مسدسين!!
- سأحمل مدفعاً رشاشاً!!
- ستمر بمتشرد يحمل مدفعين!!
- ماذا إذن .. هل أخرج بكتيبة!!
- هل جننت .. أزقة نيويورك لا يقدر عليها جيش كامل!!
لا فائدة .. سأبقى في بهو الفندق الدافئ الآمن ككل السياح العرب ..
وتلوح مني نظرة إلى نافذة غرفتي فلا أدرك سوى شيء واحد ..
نيويورك .. تغط في نوم عميق .. عميق!!
البهو ليس آمناً كما ظننت ..
فروائح الخمر والسجائر .. والزنوج الذين يرتدون نظارات سوداء في ليل أمريكا الحالك، والغواني الأكثر - ربما - من سكان نيويورك نفسها .. كلُّ هذا جعل برودة مقيتة تستولي على المكان .. وجعلني لا أستغرب ما حدث ..
- وماذا حدث؟!
- كان كلُّ شيء يسير على طبيعته .. المزيد من الكؤوس تعب .. المزيد من السجائر .. حين همّ نزل عجوز بالخروج من الفندق .. خرج .. وابتعد خطوات عن البوابة المفتوحة .. وإذا بسيارة كبيرة مسرعة تصطدم به فتحيله جثة هامدة تنام وسط بركة حمراء كبيرة ..
وكمن اعتاد على الشيء .. التم حوله رجال أمن الفندق لحظات ثم عادوا بكلِّ هدوء وطلبوا سيارة الإسعاف .. وما هي إلا دقائق حتى حضرت السيارة وانتشل طاقمها الجثة حية .. فتشوها.. لم يجدوا شيئاً .. لا دولارات .. أعادوها إلى مكانها وانصرفوا!!
البركة الحمراء تتسع .. عينا العجوز تفقدان بريقهما الأنفاس تخبو .. والروح تنسحب من الجثة رويداً .. رويداً .. وحين عادت عيناي إلى الفندق .. ورجال الأمن .. والكؤوس والسجائر والغواني .. أدركت أنّ الظلام قد سيطر تماماً على نيويورك!!
- أهناك جنة مظلمة؟!
لم يجد تساؤلي سوى الظلام السرمدي الدامس .. فعاد من حيث أتى!!