فنجان القهوة التركية، الضوء الهادئ، سكون الثلث الأخير من الليل، القلم المسترخي فوق الأوراق .. كلُّ شيء كان مهيئاً للكتابة، رائحة القهوة تستفز الفكرة .. يتمطى القلم، على السطر الأول، يسيل بنسغ الفكرة اللائبة منذ أيام في رأسه، الجملة الأولى هي العتبة التي يلج منها بتوجُّس، ثم يركض خلف سنّة القلم ولا يكاد يدرك إلا غباره الأسود، يتوقف رغم جماح قلمه، يعود إلى أولى الكلمات في السطور الخمسة التي نزت من قلمه على وجه الصفحة البيضاء، تختفي الكلمات الجمل، السطور الخمسة، يبحث عنها بين أوراقه فلا يجدها، يبعثر الأشياء على مكتبه غير المنظم .. تنسكب القهوة .. لا يكترث لما فعلته بأوراقه .. التفت نحو النافذة، خطرت له فكرة أن تكون الكلمات قد فرّت منها، كلُّ شيء ساكن، أشجار الحديقة .. أعمدة النور، الشارع الخالي من المارة، ركز نظره علّه يخترق سجف العتمة، في الحديقة رأى الكلمات تطير باتجاه البحر، للمرة الأولى يكتشف أنّه لا يستطيع الركض بسرعة قلمه، ومع ذلك حاول، يوشك أن يمسك بالكلمة الأخيرة .. يمد يده ولكن المسافة بينه وبينها تزيد، يتسرب اليأس ليملأ المسافة بينهما، عندما انتشرت الكلمات في السماء توقف عن الركض، يتصبب عرقه ويخنقه الإجهاد، شعور بالفشل يملأ عينيه فلم يعد يرى كلماته الغارقة في الظلام. عاد أدراجه فوجد إحداها تترنّح من أثر السقوط على الأسفلت، انحنى ليلتقطها فوجدها إلى الموت أقرب، فكر أن يدعسها بقدمه الحافية .. عدل عن الفكرة، ثم تجاوزها، اتجه إلى بيته .. إلى غرفته .. إلى سريره .. خلد إلى نوم عميق.
|