يتجه الوضع الفلسطيني للتأزم مرة أخرى نتيجة تضافر عدة عوامل، منها قرار السلطة الفلسطينية تأجيل إجراء الانتخابات التشريعية دون تحديد موعد لإجرائها، إضافة إلى تواصل الاستفزازات الإسرائيلية التي يواصل رئيس الوزراء شارون تصعيدها لجرِّ المنظمات الإسلامية الفلسطينية المسلحة إلى انتهاج العمل العسكري والتخلي عن العمل السياسي الذي بدأت تلك المنظمات - وبالذات حماس - تتجه إليه في الآونة الأخيرة. وقد شكل العاملان السابقان ضغطاً ودافعاً للعناصر التي تحبذ العمل العسكري في حركة حماس لنبذ العمل السياسي والعودة إلى استعمال صواريخ القسام لقصف المستعمرات الإسرائيلية وبالتالي توتير الموقف والعودة إلى إشعال العنف مرة أخرى مما يلغي كل التفاهمات السابقة سواء بين السلطة الفلسطينية والمنظمات الإسلامية المسلحة، أو بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي. هذه العوامل ستعمل على انفلات الوضع الذي سيكون حتماً في غير صالح القضية الفلسطينية.. ولهذا فإن الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن الفلسطيني يرون في قرار السلطة الفلسطينية تأجيل إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية دون تحديد موعد لإجرائها خطأ استراتيجياً ما كان للسلطة الفلسطينية الإقدام عليه حتى وان تحججت بعدم جاهزية قانون الانتخابات والتخوف من نجاح مرشحي حركة حماس والفصائل الإسلامية واليسارية الأخرى بحيث يلغي السيطرة المطلقة لحركة فتح على المجلس التشريعي الفلسطيني؛ إذ أن إطلاق العملية السياسية والسير قدماً في إجراء الانتخابات وتعزيز المسيرة الديمقراطية في فلسطين سيغلب العمل السياسي الفلسطيني ويحجم العمل العسكري وبالتالي يقلل من نسبة العنف ويضعف الحجج الإسرائيلية بإلصاق تهم الإرهاب بالشعب الفلسطيني وتهمة الفوضى والضعف بالسلطة الفلسطينية؛ ذلك لأن التحضير للانتخابات التشريعية سيجعل فصائل المقاومة - وبالذات حركة حماس - تتجه إلى التركيز على العمل السياسي، وإذا ما أفلح مرشحوها في الوصول إلى البرلمان الفلسطيني - وهذا مؤكد - فإن عمل الحركة سيتجه للتسيس ويتراجع العمل العسكري، وهذا سينعكس إيجابياً لصالح السلطة والشعب الفلسطيني معاً. فبالنسبة للسلطة سيؤدي انشغال حركة حماس بالعمل السياسي ومشاركتها في صنع القرار الفلسطيني من خلال تواجدها في البرلمان إلى تخفيف - إن لم يلغِ - العمل العسكري ويقلل نسبة العنف، وهذا سيسجل لصالح السلطة. أما الفائدة التي سيجنيها الشعب الفلسطيني فهي إسقاط تهمة الإرهاب التي توصم بها حركة حماس وتتواصل تبعيتها شاملة كل الفلسطينيين، فإذا وصل ممثلو حركة حماس للبرلمان واكتسبوا شرعية السياسة كجزء من النظام السياسي الفلسطيني فلا بد وأن تعترف بهم الأطراف الدولية وبالذات الجانب الأوروبي الذي لا بد وأن يتعامل كأمر واقع وحسي مع ممثلي الشعب الفلسطيني المنتخبين ديمقراطياً، خاصة أن الانتخابات الفلسطينية مثل أي انتخابات أخرى تجري حسب المواصفات الغربية، وهكذا فلا يبقى منطقياً أن يُصنَّف هؤلاء الممثلون وأعضاء البرلمان الفلسطيني من أعضاء حركة حماس كإرهابيين مما يتيح لهم الاتصال والتعامل مع نظرائهم الأوروبيين وحتى الأمريكيين الذين سيرون ومن خلال التعامل أن هؤلاء البرلمانيين يعملون لتحقيق أهداف شعبهم وطرح قضيتهم بأساليب سياسية تجعل من المضحك الاستمرار بوصمهم بالإرهاب.
|