Thursday 9th June,200511942العددالخميس 2 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "فـن"

رحلة نغمرحلة نغم
النقد الفني الغائب.. أبداً
عبدالإله بن فهد السناني

يتأكد يوما بعد يوم أن التشتت والاضطراب في استعمال المصطلحات العلمية والأدبية والمسرحية من شأنه أن يفضي إلى معرفة مشتتة مضطربة، وأن يولد جدلاً مغلوطاً لا نهاية لها.
ولا شك أن المثقفين عاجزون وحدهم عن التصدي لهذه الظاهرة، فالمسؤولية ينبغي أن تنهض بها المجامع اللغوية والجامعات المنظمة والعربية للتربية والثقافة والعلوم، صحيح أن هذه المؤسسات لا تستطيع أن تجبر أحداً على استعمال هذا المصطلح أو ذاك، ولكنها تستطيع بإمكاناتها أن تحد من الظاهرة.
كأن تكون هيئات من المتخصصين في كل الوطن العربي، تتدارس كل هيئة ألفاظها الخاصة، أو تجمع الأدباء والسنيمائيين والمسرحيين ليتدارسوا لغة مهنتهم وفنونهم، فقد يفضي مثل هذا العمل الجماعي إلى لم شتات الوعي ولم شتات اللغة.
تتجلى هذه الظاهرة بوضوح كبير في النقد الفني كما يمارس في صحافتنا ومجلاتنا، وفي بعض المصطلحات التي يستعملها البعض دون ضبط أو تحديد.
ونبدأ بالنقد الفني (المسرحي والسينمائي والتشكيلي) فنلاحظ أن هذا النوع من النقد لا يزال يخضع لمقاييس النقد الأدبي، فإذا كان الأدب يتمحور حول اللغة، فإن المسرح، كما يوضح محق مسكين في مجلة (الثقافة الجديدة) (العدد 30- 1983) ولد خارج النص الأدبي ,أسس إشكالياته بعيداً، وإذا كانت اللغة زمانا إذ هي تملأ كل لحظة من حياتنا بما في ذلك زمن أحلامنا، فإن المسرح تركب أصلاً في المكان ومن خلاله، وهو يمتلك مشروعيته التاريخية والحضارية والجمالية من خلال امتلاكه لخاصية العرض، ذلك أن العرض كما يقول ميشال دور هو الذي يؤسس المسرح، وهذه الخاصية تفرض ضرورة التمييز بين النقد الأدبي والنقد المسرحي الذي ينبغي أن تكون له هو الآخر خصائصه، وينطبق نفس الشيء على النقد السينمائي السائد في صحافتنا ومجلاتنا، فهو نقد أدبي إيديولوجي يرتكز أساساً على المضمون، ولا يتفطن على خاصية السينما كلغة مرئية، بل هو نقد يخلط أحيانا بين التصوير والسينما، في حين أن هناك فرقاً كبيراً بين البنية التصويرية والبنية السينمائية، في الطريقة التي يعتمدها كل منهما في تناول الواقع أو نقله أو محاولة استيعابه، إن في زمنية التصوير، كما يرى بارت، مقولة جديدة عن المكان - الزمان (فهي موضوعية مباشرة وزمنية ما قبلية، وهي اتصال لا منطقي بين (الهنا) وال(فيما مضى)..).
ويكشف التصوير عن واقع سابق، نحن دائما بعيدون عنه، في حين تقدم السينما نفسها، ليس كاستلهام لواقع مضى ولكن كتخيل تعيشه الذات، ونلمس هذه الإلهام بواقع خيالي في العمل السينمائي، ومن خلال إمكانية تمثيل الحركة والزمن والحكاية.. ولكن يبدو أن النقد السائد في صحافتنا لا يتفطن إلى خاصيات السينما كما لا يتفطن إلى خاصيات المسرح، فيكتفي بإسقاط المفاهيم الأدبية على الأعمال السينمائية والمسرحية على حد سواء، دون أن يستفيد مثلاً من بحوث منظرين كبار كازنشتاين وفوارتون، فقد درس الأول الشكل والدلالة في السينما وبين أهمية التركيب في الإنتاج السينمائي، فالسينما لا تنقل بطريقة موضوعية أو متواصلة واقعاً مطروحاً عليها، وإنما تقتطع سلسلة من اللقطات وتعزل بعض المشاهد وتعيد ترتيبها من خلال تركيب جديد، وهي لا تعيد إنتاج الأشياء، وإنما تعالجها وتنظمها وتبنيها، فتكتسب الأشياء بذلك معنى جديداً، هي لا تملكه في حد ذاتها، وهذا الوصل بين عناصر معزولة، متآلفة أو متنافرة، يوجد، كما يقول ازنشتاين، في الكتابة الهيروغليفية، فالشريط في نظره يجب أن يكون (نصا هيروغليفياً) لا معنى لأي عنصر معزول فيه إلا في تركيبته النصية، ومعنى ذلك أن الفكرة الواردة في هذا العنصر أو ذاك، لا تتوضح إلا بالرجوع إلى النص كاملاً، أي إلى ما تقوم الفكرة وما لحق بها.
إن السينما وكذلك المسرح، وهما يستفيدان من بعضهما لغة لها نحوها وقواعدها، وهي لغة أي منظومة من الرموز والاصطلاحات، تختلف عن الكلام الذي هو مجال الأدب، وتتميز عنه، وفي حين يرى (نقادنا) الصورة على أنها كلمة واللقطة على أنها جملة، يرى واحد من أبرز منظري الفن السينمائي، وهو كريستان ماتز في كتابه الصادر عام 1968م عن دلالة السينما أن الصورة تعادل جملة أو جملاً كثيرة، واللقطة جزءاً معقداً من الخطاب السينمائي.
إن البعد الانطباعي في نقد السينما أو المسرح، حاضر أيضا في نقد الرسم والأعمال التشكيلية.
إن من المفاهيم الكلاسيكية للفن، ما يعتبر الرسم تمثلاً للواقع أو مرآة له، فهو يحكي أو ينقل حدثاً ويستعمل في سبيل ذلك لغة خاصة من الأشكال والألوان، تنتظم في كل لوحة، في بنية تستند إلى ما يسمى ب(الدال التصويري)، وانطلاقاً من هذا المفهوم يكمن أن نحلل اللوحة كبنية لها خصائصها وقواعدها، لكن البحوث الحديثة مثل بحوث مايرشابيرو تؤكد على ضرورة أن نعرف الدال التصويري من حيث هو صورة تستند إلى مرجع يوجد خارج نظام اللوحة.
وفي هذا السياق تنشأ أسئلة كثيرة، بعضها لم يحل حتى الآن: ما هي مكونات هذا الدال؟ وهل هو الموضوع المرسوم بالنسبة على الموضوع الواقعي؟ ولكن ألا نحطم بذلك مفردات اللغة التشكيلية عندما نرجع مكوناتها إلى مكونات مشهد يوجد خارج اللوحة؟ في حين أن لغة اللوحة هي لغة خطوط وأشكال وألوان؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تتسنى إلا إذا حددنا مفهوم التمثيل، فعندما نعالج لوحة كلاسيكية، أي لوحة تكون بها الرموز التصويرية مطابقة للرموز الواقعية المتمثلة، فإننا نلاحظ أن قراءة لغة هذه اللوحة تستند إلى ثلاثة عناصر، أولها الاصطلاح التصويري أي هذا الترتيب الداخلي للعناصر (الوجوه، الأشياء، الأشكال، الأبعاد..) في بنية مغلقة.
وثانيها الواقع الذي تحال إليه هذه المنظومة من الاصطلاحات. وثالثها الخطاب الذي يؤلف بين كل مكونات اللوحة، إلا أن النقد السائد في صحافتنا يكتفي بفك منظومة الرموز، بحيث يحتل كل واحد من عناصرها (وهي الوجه والأشكال والأوضاع) معنى أو جملة من المعاني تستطيع نصوص أخرى فلسفية أو أدبية أن تمنحها إياها، وفي هذا السياق من النقد (تتلاشى) خصوصية العمل المسرحي كما تتلاشى خصوصية العمل السينمائي والعمل التشكيلي، فتبدو هذه الأعمال وكأنها تتمثل طلاً أو دليلاً خيالياً بين العالم واللغة، تستند إليه مجموعة من النصوص التي تتقاطع وتتآلف في قراءة لا تنتهي ولا تكتمل أبداً.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved