Thursday 9th June,200511942العددالخميس 2 ,جمادى الاولى 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

فيض الضميرفيض الضمير
الطريق إلى خيلة (الحلقة الأخيرة)
د. محمد أبو بكر حميد

اصطحب المهندس عبدالله أحمد بقشان الوفد الاقتصادي السعودي إلى خيلة التي يطلق عليها (خيلة بقشان) لوجود هذه الأسرة العريقة بها، وتقع خيلة في الجانب الشرقي من بطن الوادي الأيسر لوادي دوعن الكبير، أعجب أعضاء الوفد بذلك القصر المنيف الذي يقع في قلب خيلة بألوانه المتعددة الزاهية، وعلو بنائه، والطراز المعماري الجميل الذي يزينه الأمر الذي جعل الجمعية السعودية لعلوم العمران تعتبره نموذجاً رائعاً للعمارة الطينية في حضر موت ووضعت صورته على غلاف العدد الأخير من مجلتها.. كان هذا البيت ولا يزال محط رحال الكبراء ومهوى أفئدة الفقراء، فبعد أن تعرض للإهمال لسنوات طويلة بانتقال كل أسرة آل بقشان للمملكة، كانت عودة ابن الأسرة البار المهندس الشيخ عبدالله أحمد بقشان سنة 2003م لزيارة وطن الآباء والأجداد لأول مرة بعد زيارة له في معية والده عندما كان صبياً دون العاشرة.
كنا سمعنا أن الدافع الأساسي لزيارته لأرض الآباء والأجداد وقرار تنفيذ مشروع طريقة خيلة كان سبباً إنسانياً نتيجةً لما سمعة من قصص مؤلمة عن وفاة كثير من النساء الحوامل اللاتي يحضرهن ألم الولادة ويتعسر عليهن الطلق فيمتن في الطريق الوعر الطويل إلى مستشفى المكلا.
قال المهندس عبدالله أحمد بقشان إن قرار زيارته وقرار طريق خيلة كان بتشجيع كبير من الأسرة كلها التي استحضر جميع أفرادها قول الله سبحانه وتعالى عن النفس الإنسانية : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}(32 سورة المائدة).
وبشق طريق خيلة تم إحياء لمئات النفوس، والأقربون أولى بالمعروف ومن لا خير فيه لأهله لا خير فيه لغيرهم.. وأمام هذه الثوابت الإيمانية التي تعمل بها أسرة آل بقشان منذ مائة سنة، سافر المهندس الشيخ عبدالله بن أحمد بقشان في رحلة تاريخية إلى حضرموت محققاً حلم عمه الكبير الشيخ سليمان بن سعيد بقشان - رحمه الله - وبدعم وتشجيع كما قال من بقية أفراد الأسرة عمه الشيخ هادي سعيد بقشان وأبناء عمومته جميعاً وعلى رأسهم الشيخان علي ومرعي أبناء الشيخ عبدالله سعيد بقشان وإخوانه سالم ومحمد وعلي أبناء الشيخ أحمد سعيد بقشان وأبنائهم، ورافقه في هذه الرحلة إخوة الشيخ علي وابن عمه الشيخ أحمد بن سليمان بقشان، وكان يوماً تاريخياً ذلك اليوم الذي وضع فيه حجر أساس الطريق إلى خيلة، حضره فخامة رئيس الجمهورية اليمنية بنفسه تقديراً وعرفاناً منه باليد السعودية الممتدة دائماً بالخير والمعروف أداءً لحق الصلة والرحم والأخوة، وبات أهل خيلة تلك الليلة يلهجون بالشكر لله ذي الفضل والمنة ثم بالدعاء لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز فاتح طرق الخير العالم بحق الجوار، ولأسرة آل بقشان العميقة الجذور في الأصالة والنخوة والأريحية التي لم تنسها النعمة حق الأرحام والأهل والأصل وواجب الدين والإيمان والعقيدة وكان هذا الحدث التاريخي بحق حديث الناس في وادي دوعن بل وادي حضرموت كله.
وعرف الضيوف شيئاً من تاريخ خيلة إجابة على أسئلتهم، عرفوا أن خيلة بقشان تأسست سنة 1218هـ أي قبل أكثر من 200 سنة، وأن آل بقشان ينتمون لواحدة ممن أعرق قبائل جزيرة العرب، وهي قبيلة سيبان الحميرية التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ، وما الحالكة التي ينتهي إليها نسب هذه الأسرة إلا فرع من فروع سيبان الأم، وجرت أحاديث التاريخ والضيافة بعيداً عن مسمع الشيخ عبدالله أحمد بقشان (المضيف) الذي لا يحب الحديث عن نفسه أو أسرته، والعجيب في هذه الأسرة أن معظم أفرادها يسيرون على هذا النهج في التواضع، فهذا هو ابن عمه الكبير الشيخ مرعي بن عبدالله بقشان يهرب من أي حديث يمسه في تواضع لا يعرف الحدود، وهو أمر معروف لكن من عرف هؤلاء الناس أو اقترب منهم!.. إنهم يؤمنون ويعملون بمبدأ (اعمل واترك عملك وحده يتحدث عن نفسه).
وسيراً على هذا المبدأ فتحت الطريق إلى خيلة طرقاً عدة للاستثمار السعودي في اليمن، ومدت جسور للتلاقي بين الإخوة و الأحبة وربطت صلات متينة بين الأرحام كادت أن تنقطع، وفتحت باب البر على مصراعيه لكثير من أبناء ذلك الوطن الذين ركبوا على متن طائرة عبدالله أحمد بقشان ليشاهدوا أرض الآباء والأجداد لأول مرة أو بعد غياب عدة عقود، فاختلط دافع الاستثمار بدافع البر بالأصول والجذور حتى لم يعد بالإمكان التفريق بينهما عند بعض أصحاب الشهامة والمروءة والأصالة، أمثال الشيخ عبدالله باحمدان والشيخ محمد حسين العمودي، والشيخ أحمد بانعيم وغيرهم من الذين لا يتسع المقام لذكرهم.
وبقي خاطر حزين وعتاب محبين خرج به بعض أعضاء الوفد الذين كانوا معي في زيارة بلدة (الهجرين) التاريخية موطن أسرة آل بن محفوظ مؤسسي البنك الأهلي التجاري وأصحاب الثراء الطويل العريض رأينا قرية معلقة على جبل صعدنا إليها بشق النفس، يعيش أهلها في فقر مدقع وتفتقر لأبسط وسائل الحياة الحديثة، سأل صاحبي وهو من أبناء نجد مستغرباً، ماذا قدمت أسرة ابن محفوظ لهذه القرية البائسة؟
فقيل له مشروعاً للمياه أسسه الشيخ سالم بن محفوظ - رحمه الله - قبل أكثر من خمسين عاماً ومدرسة بناها ابنه الشيخ عبدالإله جزاه الله خيراً، فصمت صاحبي ولم يعلق ولكني رأيت الحزن في عينيه.. حال أدمت قلب الغريب فأين قلب الرحم القريب، ولم أتكلم ولكني سمعت من يقول الأمل أن تلتفت الأسر الكريمة من أبناء هذه البلدة المسكينة وفي مقدمتهم أسرة آل ابن محفوظ لإخراج هذا الموطن من العصور الوسطى إلى العصر الحديث، وهم بذلك أجدر وعليه أقدر.. فعقب آخر: فكرمهم معروف وحبهم للخير مألوف ومن لا خير فيه لأهله لا خير فيه لغيرهم.
وبعد فالطريق إلى خيلة طويل نستكمله في كتاب - إن شاء الله - ولن تحتمل جريدة يومية سيارة أكثر مما احتلمته مشكورة، وبقدر ما في هذا الطريق من الأمنيات والطموحات فيه من الأحزان والمشقات الكثير، ولكن شمس الآمال أقوى من ليل الأحزان، ومهما طال الليل وتلبدت السماء بالغيوم فضوء الشمس بدأ يسطع وسحابة الخير تهطل، ولن تتوقف حتى تتحول جزيرة العرب إلى واحة خضراء يحقق فيها وعد رسول الله رجال أفذاذ يعملون تحت راية لا إله إلا الله.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved