لا أدري من أطلق مصطلح (طفرة) على النمو الاقتصادي الذي مرَّت به المنطقة، لأن من صمَّم هذا المصطلح إنما أخذه من كلمة طفر؛ وهي تعني الوثب في ارتفاع، وتعني جمود اللبن وتخثره،؛ وعند العامة تعني (طفران) من لا شيء عنده!! وهنا التناقض فقط. جاءت أمتار الأرض في صحرائنا الواسعة بآلاف الريالات؛ أي أن متر أرض على شارع ستين أو أربعين ويسمونه (تجاري) يساوي قيمة أرض خضراء جميلة المنظر في بلد به كل الخدمات الضرورية والترفيهية أيضاً؛ ثم اتسعت الطفرة أيام العقار إلى أن تشمل الزراعة وغيرها مما له علاقة بالتراب الذي سيرد له المكتنزون والمهترئون سواء بسواء؛ لكن المواطن العادي قد استفاد. ارتفعت أعناق من سعر التراب؛ وانخفضت أخر كانت سادنة في اتكاء مزيّف على إرث اجتماعي سرعان ما زال بعد زوال الغمة في الطفرة؛ فجاءت ألقاب لم نكن نسمع بها؛ مثل الشيخ وغيره من ألقاب رجال المال والأعمال. ولعل الشاعر يقول قولاً آخر في طفرة هذه الأيام؛ وهي طفرة في غير التراب؛ لأن أهل التراب أصبحوا يهشون عن أنوفهم الذباب؛ بعد أن كانوا هم زينة الأرض التي يمتلكون ويبيعون آنذاك؛ وهذه الطفرة هي طفرة الأسهم التي وخزت الكثيرين بالسهام القوية؛ فمنهم طريح ومنهم صريع ومنهم منتش بنصر الله له على المال!! فتحت بنوك جديدة؛ وفتحت شركات جديدة؛ طبعاً كلها مساهمة؛ ومهمة تلك هو احتساء كؤوس المال المترعة هنا والتي تتركز في أيدي البعض، ولكنهم أذكياء جداً؛ فلم ينسوا الكثرة من متوسطي الحال، وحتى كثيري الصرف على العيال؛ فجاءوا بمنهج جديد للسلب المؤدب جداً؛ وهو تخفيض قيمة السهم حتى يخاطر من لا يمتلك إلا (عليّ وعلى عيالي) فكثر المساهمون وتكاثروا؛ والقرش مع القرش يساوي ريالاً طبعاً؛ فكثرت الريالات لدى المؤسسات الكبيرة والبنوك والشركات؛ أي أن المال صار محصوراً على قلة؛ بمعنى تجفيف الكثرة لصالح القلة؛ وهو مبدأ فيه الكثير من الخطورة؛ سواء خطورة الإفلاس أو الثراء الفاحش الذي سيرفع رويبضات إلى أن تنال ما ناله غيرهم من أهل التجارة المتجذرين. لا نقول ذلك حسداً أو بغضاً لأحد؛ لكن سيهتز المجتمع هزة أقوى من هزة العقار التي أوجدت شيوخاً كثراً؛ وأسقطت شيوخاً أكثر!! أي أن بيوتات التجارة العريقة في الغربية أو الشرقية أو الوسطى أو الجنوب خرج عليهم غيرهم ممن اعتلوا السنام عنوة؛ وهذا الاعتلاء سيخلق نوعاً من تشتيت البؤرة التي تعرف المسيرة المتزنة؛ وسيوجد لهاثاً نتيجته الحتمية هي (الغاية تبرر الوسيلة) وهذا ما لا يريده المجتمع المحافظ الذي يتصدَّق بعضهم بنصف رغيف أبنائه قربة لله؛ رغم أن لا كنوز ولا اكتفاء. ثم مدخل آخر وهو؛ أن المخرجات التي ستكون من تفاعل وتنامي المال لن تكون في البلد أو لن تدور فيه لتصنع رفاهية للمواطن العادي؛ ولن ترفع من مستوى الفقير؛ بل هي ستكون امتصاصاً بطيئاً للفائض الذي سيسيل في البلد لأن يسيل خارجها؛ كأجور وبدلات وأرباح للمساهمين من خارج الحدود؛ والنتيجة في النهاية هي امتصاص الشحم وبقاء العظم المهترئ فعلاً. نحن مقدمون على انفتاح عالمي قوي؛ وأول الانفتاح هو عولمة التجارة عن طريق مشروع هو المساهمة من المواطن الغني والقادم الأغنى والأذكى؛ أي المشاركة في مشروع رابح؛ سواء أكان بنكاً أو مؤسسة إنتاجية للفكر أو الغذاء أو غيره من الخدمات؛ والمساهم الخارجي سوف لن يترك أرباحه هنا لتدور دورتها في السوق المحلي؛ بل سيخرجها لبلاده لتدور هناك بأمان الله وقرب عينيه؛ ومن هنا سيأتي جفاف بعد عشرين أو ثلاثين عاماً وينهب كل الشحم الذي يسيح منه بعض الشيء للمواطن المكافح... ما هي النهاية؟؟!!
فاكس 2372911 |