في مثل هذا اليوم من عام 1099 وصلت طلائع الصليبيين إلى مدينة القدس تمهيدا لاحتلالها. وكانت القدس هذا الهدف الأهم للحملات الصليبية التي انطلقت من أوروبا تحت شعار الصليب والسيطرة على المناطق المسيحية المقدسة في فلسطين لذلك اتجهت القوات الصليبية منذ البداية نحو تحقيق الهدف. انطلقت أولى الحملات الصليبية السبع عام 1095م، إثر خطبة مثيرة ألقاها البابا أوربان الثاني في فرنسا دعا فيها إلى القيام بحملة إلى الشرق من أجل الاستيلاء على بيت المقدس وتحريره من سيطرة المسلمين، ووعد المتطوعين في الحملة بحياة أفضل في الدنيا، وبغفران ذنوبهم إن قتلوا. وصلت هذه الحملة إلى أسوار القدس في السابع من يونيو عام 1099م، بعد أن سيطرت على الجزء الأكبر من بلاد الشام.كانت القدس في ذلك الوقت خاضعة للدولة الفاطمية، وكان يحكمها الوالي (افتخار الدولة) مع حامية المدينة، فاتخذ مجموعة من الخطوات لتعزيز صمودها في وجه الصليبيين، فسمم الآبار وقطع موارد المياه، وطرد جميع من في المدينة من المسيحيين لشعوره بخطورة وجودهم أثناء الهجوم الصليبي، وتعاطفهم معهم، وقوَّى استحكامات المدينة. كانت قوات الصليبيين التي تحاصر المدينة المقدسة تقدر بأربعين ألفًا، وظلت ما يقرب نحو خمسة أيام قبل أن تشن هجومها المرتقب على أسوار المدينة الحصينة، وكان الجند في غاية الشوق والحماسة لإسقاط المدينة، فشنوا هجوما كاسحا انهارت على أثره التحصينات الخارجية لأسوار المدينة الشمالية، لكنَّ ثبات رجال الحامية الفاطمية وشجاعتهم أفشل الهجوم الضاري، وقتل الحماس المشتعل في نفوس الصليبيين، فتراجعت القوات الصليبية بعد ساعات من القتال. واستمرت هجمات الصليبيين على المدينة المحاصرة حتى تمكنوا في النهاية من دخولها في منتصف يوليو 1099 وبعد أن دخل الصليبيون المدينة المقدسة، تملَّكتهم روح البطش والرغبة في سفك دماء العزَّل الأبرياء، فانطلقوا في شوارع المدينة وإلى المنازل والمساجد يذبحون كل من صادفهم من الرجال والنساء والأطفال، واستمر ذلك طيلة اليوم الذي دخلوا فيه المدينة. وفي صباح اليوم التالي، استكمل الصليبيون مذابحهم، فقتلوا المسلمين الذين احتموا بحرم المسجد الأقصى، وكان أحد قادة الحملة قد أمَّنهم على حياتهم، فلم يراعوا عهده معهم، فذبحوهم وكانوا سبعين ألفًا، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبَّادهم وزهّادهم ممن فارقوا أوطانهم وأقاموا في هذا الموضع الشريف. واستمر حكم الصليبيين للقدس قرابة الثمانين عاما حتى طردهم منها صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين.
|