أدت الثورة المعرفية والتقنية إلى إحداث تحولات متلاحقة على المستوى العالمي سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعلى إثر تلك التحولات ظهر نظام دولي جديد تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية بحكم قدرتها وفائض القوة الذي تمتلكه في الجانب العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي مما دفعها إلى فرض مصالحها على العالم رافعة شعارات إنسانية ذات طابع عالمي كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في حكم نفسها والعيش في أمان اجتماعي واقتصادي ولكنها في الواقع الموضوعي تتحرك في اتجاهات لا تخدم إلى مصالحها الذاتية ومحاولة توظيف كل القيم والمؤسسات المختلفة على المستوى العالمي كالأمم المتحدة بل وتوظيف الدول ذاتها والمجتمع المدني العالمي والمحلي داخل الدول لخدمة توجهاتها الآنية، هذا الوضع أدى إلى إفراز حالة من الصراع المتعدد الأوجه على المستوى لا يمثل الإرهاب إلا الوجه الأكثر سوءا لأنه نتاج عقلية انهزامية ومشوشة وغامضة غير قادرة على الفعل الإيجابي لأنها لا تملك الإرادة والرغبة في التحدي لمواجهة المشاكل الناتجة عن التحولات المختلفة ومواجهة التناقض في السياسات الدولية والمحلية بالمقاومة التي تسير وفق آليات جماعية منفتحة وملتزمة بالقيم الدينية والإنسانية، وقادرة على خلق بديل يحترم الإنسان والقيم التي شكلها عبر آلاف السنين، ولأن الإرهاب يستند إلى الغريزة ويفتقد القدرة على التفكير واستخدام العقل فإن نتاج الفعل عادة ما يكون أثره معاكس لمصالح مستخدميه ولا يخدم في المبتدأ والمنتهى إلا مصالح الطرف الذي يراه الإرهابي أنه عدوا له والسبب يعود لأن الإرهاب لا يملك أي استراتيجية باستثناء التدمير والتخريب وكلما زادت المواجهة يصبح الحقد والكراهية المطلقة هي المحرك الفعلي للإرهاب وتتحول القيم التي يتحرك في إطارها إلى قيم منبوذة ومدانة من الجميع وإن كانت تحمل في حقيقته قيم عظيمة قد تكون إلهية ويعود السبب أن العقلية الإرهابية تخرج القيم عن معناها الحقيقي وتصبح التفسيرات الجديدة هي الحقيقة المطلقة وهذا يفسر حالة التكفير للجميع من قبل الإرهاب ويمكن القول إن الظلم الذي يلحق ببعض الجماعات والتحولات المختلفة على كافة المستويات يسبب صدمة عنيفة لتلك الجماعات فتصبح غير قادرة على التفكير فتصبح حركتها عشوائية ومع تلقي الضربات يندفع الجميع في كل الاتجاهات للبحث عن مخرج وتظهر جماعات وأفراد ينزعون نحو العنف والتدمير وهذه الجماعات تكون أكثرها انهزامية لأنها تبحث عن الموت للخلاص من أزمة المواجهة مع الذات والخروج من الأزمة وفق آليات البناء والبحث عن النصر في آفاق السلم وإجماع الأمة.
|