نحو ساحة فلسطينية معافاة

تلفت النظر في الساحة الفلسطينية محاولات دؤوبة تنطلق بطريقة فورية لمواجهة احتمالات التوتر أو التصعيد بين مختلف الفصائل، إلى الدرجة التي يمكن القول معها إن آلية توفيقية تتطور باستمرار لتصبح سمة بارزة في السياسة الفلسطينية. وبينما توقع كثيرون انشقاقاً حقيقياً وصراعاً حامياً حال إعلان السلطة عن تأجيل الانتخابات التشريعية، إلا أن قدراً من العقلانية يبدو أنه يسيطر على الأمور؛ حيث تتحدث الأنباء عن اجتماع مرتقب للنظر في أمر التأجيل بين الرئيس الفلسطيني وحركة حماس وهي أبرز معارضي قرار التأجيل.
ومن المؤكد أن حرصاً فلسطينياً قوياً على عدم التصعيد، يراعي حساسية الأوضاع، هو الذي يسهم في إنجاح مختلف الجهود التوفيقية، فضلاً عن قناعة باتت راسخة في هذه الساحة، على أن الخير كلّ الخير في تضامن الإخوة، وأن الخلافات في الأمور التكتيكية لا ينبغي أن تفسد للودّ قضية.
لا شك أن هذه الروح الجديدة تجعل الكثير من الأمور تنتقل من دائرة المستحيل إلى حيز الممكن؛ فالمشاركة الفاعلة من قبل حركات مثل حماس في الانتخابات البلدية تعكس هذه الحالة الإيجابية الجديدة، إلى الدرجة التي اجتذبت اهتمامات أوساط أجنبية كانت تناصب حماس العداء، وكانت تجد أنها في خلاف لا يمكن تجاوزه مع الحركة؛ ففي الولايات المتحدة تتحدث بعض الجهات ذات العلاقة بمستويات رفيعة في الحكم عن أن واشنطن بدأت تتنبه إلى ازدياد نفوذ منظمات مثل حماس، وأنها لا تستبعد إجراء اتصال مع قريبين من الحركة، بل هناك حديث عن مستويات متعددة في الحركة يمكن التعاطي معها في شكل حوار أو غيره.
وسيفيد كثيراً أن تسعى الفصائل الفلسطينية إلى إبراز الجوانب التي لا يكتشفها الآخرون فيها رغم أنها موجودة، لكن بسبب ضبابية تنشأ من الأحكام الغربية الجائرة والمسبقة فإن هذه الجوانب لا يمكن أن تظهر؛ ومن ثم يصبح العمل على توضيح جوانب التلاقي مع الآخرين ضرورياً من أجل اكتساب اعتراف أكبر من قبل الآخر قد يساعد في تجاوز العقبات القائمة في طريق التسوية.
ومن الواضح أن الكثير من الجهد مطلوب لإزالة ترسبات من الكراهية وعدم القبول من قبل الغربيين خصوصاً لجهات فلسطينية عدة، وهي أمور تنامت بفعل إعلام صهيوني مسيطر وبسبب التفضيل التلقائي في الغرب، وفي الولايات المتحدة خصوصاً، لوجهة النظر الإسرائيلية، لكن هناك حتى في الولايات المتحدة من يجأر بالشكوى من هذا الانحياز التلقائي لإسرائيل، بينما هي ترتكب الفظائع؛ ومن ثم فإن هؤلاء يدفعون إلى تبني نهج من الواقعية في التعامل.