Tuesday 7th June,200511940العددالثلاثاء 30 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "منوعـات"

نوافذنوافذ
خارج.. الصورة!!
أميمة الخميس (*)

يذكر المفكر المغاربي (عبدالفتاح كيليطو) في كتابه حصان نيتشه (كثيراً ما تساءلت كيف كان ممكناً للعرب في الماضي أن يستغنوا عن الصورة، يبدو أنهم ماكانوا يهتمون لذلك إطلاقا وهم على أي حال لم يبذلوا أي جهد لتخليد صورتهم.. ماذا كانت صورة هارون الرشيد، والمتنبي.. لن نعرف ذلك أبداً. مع أن الرسم كان موجوداً في بعض الحقب، غير أنه ما كان يخطر على بال أحد أن يستخرج صورة لنفسه.. لم يكن لأسلافنا وجه. وإذا كان غياب الصورة نقصا فكيف عوضوه؟ الثقافة التي تحظر الصورة أو تمهملها، ألا توظف ذاتها في مكان آخر، في الكلمات في النصوص، وفي أدب فريد؟).
كثيرة هي الإحالات التي يأخذنا إليها نص (عبدالفتاح كيليطو) فالصورة الغائبة أو المغيبة لا تكتفي بهذا الغياب، وترفض حتمية الإقصاء، فتلك الطاقة لابد أن تتجلى وتتبدى عبر قنوات أخرى، تعبر عن الوجود، وتعلن الهوية المطموسة ولكن عبر لغة خصبة، تخاتل لغة الاقصاء.
فلو ربطنا هذا النص أيضاً، بصورة المرأة المغيبة لدينا على المستوى الاجتماعي والرسمي أيضاً، فأين ترانا نجدها أعادت خلق نفسها بشكل آخر ولكن لا يتحدى المتاح والمباح في المشهد، ولكننا قد نستطيع ترجمتها عبر نزيف القصائد الشعبية التي تحتشد بها المجلات الشعبية وسواها من وسائل الإعلام، تلك القصائد الموقعة بأسماء غامضة ورمزية مليئة باللواعج وشجن المراهقات، والتي تحفز المخيلة لترحم جميع البؤرة السوداء التي يصنعها غياب الصورة.
غياب الصورة خلق ضمن (خصوصية محلية فريدة) علاقة متجاذبة متنافرة مع وسائل الاتصال، فجميع المراهقين أو غالبيتهم لهم مغامراتهم الخاصة عبر (التحادث) في الإنترنت وبمهارة فائقة تفوق جميع المهارات والخصائص التي من الممكن أن يتمتع بها مستعمل الحاسب الآلي أو الإنترنت.
هاتف الجوال الذي تصاحبه كاميرا (صورة) يتحدى نمطية كبيرة كانت قائمة على تغييب الصورة، هذا التحدي ما زال المجتمع يحاول أن يسيطر عليه إلى الآن، وما برحنا نرى فرص عمل أمنية جديدة خلقت عند مداخل أبواب التجمعات النسائية.. فأولئك النسوة يبحثن عن (الجوال أبوكميرا) تلك الآلة المحرمة التي استطاعت اختراق غياب الصورة بشكل ساخر وفاجر.
الصراع القائم الآن على أشده فيما يتعلق بقيادة المرأة السيارة، أليس جزءاً من هذا الصراع هو غياب الصورة، فعندما تغيب الصورة تطمس الهوية تصبح هواء هباء.. وينتهي الأمر إلى كائن مشلول معطل الإرادة، لم يحدد هويته نظراً لطمس الآخرين صورته، عندها بات الجميع يتحدث عنه نتيجة لغياب هويته وضبابيتها، بات الجميع يتحدث باسمه.
نصل في النهاية إلى أن غياب الصورة.. هو الذي فعل العديد من التجليات البديلة لهذا الغياب.. ابتداء من قصائد الشاعرات الملتهبة لواعج في المجلات الشعبية.. انتهاء بمقاعد وطاولات المقاهي في برشلونة والشانزيلزيه وأخيراً.. ساحة السولديير في بيروت، والتي تعوض الغياب بتواجد.. خاص.. ومن نوع آخر.

(*) تونس

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved