هاتفني أحد المعارف يسألني إن كنتُ قد شاركتُ في الكتابةِ عن سياقةِ المرأةِ، فاستعجلْتُه ذكرَ السَّبب مِن وراء سؤالهِ فجاء كما توقَّعتُ، إنَّه يتمنَّى عليَّ أنْ أكونَ (لمْ) أفعل...!! ليس في هذا سوى مؤشِّر إلى مدِّ البحَرِ وجَزْره في شأنِ المرأةِ الطُّعْمِ في سُنَّارةِ الصَّيد العالمي الواسعِ النِّطاقِ، الكاسحِ لمياهِ بحورِ الدُّنيا، وكأنَّ الدُّنيا تُكَشِّرُ عن أنيابها وهي تبتسمُ... تذكَّرتُ المتنبي شاعرَ المعنى وهو يَصِفُ الأسدَ الذي ظهرت أنيابُه في لحظةِ غضبٍ فظنَّها الرَّائي تبتسمُ... وفي الثَّانية حيثُ يَهيبُ بالجاهلين لأنْ يتنبَّهوا الفرقَ بين ضحكتِهِ وبين (كَشْرَتِهِ) إذ يقول: (وجاهلٌ غرّهُ مِن جَهْلهِ ضحكي... حتى أتته يدي فراَّسَةٌ وفمي) فحجّة الضَّحك المُبكي قائمةً ما أُخذ الإنسان بالجهل، حتى تأتيه يدٌ فراَّسة توقظُه من سَدْرِ ضَحكاتِهِ وغُرورِهِ، وفمٌ يُناطِقُه الحُجَّةَ... تلك الحال قائمةٌ بين واقع بَحْريٍّ هائج الأمواج، المرأةُ فيه طُعْمٌ على مختلف الأغراض، وتوجَّهاتِ الرَّيحِ والمَجرْى... ألا تروْنَ إلى المرأة لاهمَّ لها سوى أن تتحرَّر من قيود التَّقليد، والأعراف الاجتماعية، تُسنِدُ ذلك إلى (ضرورة) التَّغيُّرات العامَّة في محيط تُقْسرُ فيه آلاف المجتمعاتُ العربيةُ والإسلاميةُ لفعل ما لم يكن ضمن ضرورواتها بل محظوراتها!... حتى أصبح الإنسانُ فيها يُقاد قَوْداً كي يتسابق أيُّهم يُنْقذُ حوَّاء؟!، وكأنَّ حواء هذه ضحية تاريخ كُرّمَتْ فيه المرأةُ كما لم يكرّمها التاريخ أبداً؟!... وانقلبت الموازين...، ولهثت المرأة والرجل على حدٍّ سواء مَنْ يسبق الآخر في الحصول على سمةِ التَّطور والتحضُّر والوعي... وكأنَّ هذه السِّمات مقصورة على حركة خروج وجه المرأة إلى شاشات الفضائيات وأعمدة الصُّحف ومجالس الحوار!!، ومَنْ عداهم متخلِّفون عن الرَّكب يُهرب منهم كما هو الهربُ من المجذوم... فأكرمْ به من جذام إن كان ثمنُه هذا اللَّغط المشين بتاريخ ووضع المرأة المسلمة. هناك فارق شاسعٌ وبونٌ عميق بين الدَّعوة إلى العلم والتَّحضر والإبداع والمساهة والمشاركة وإثبات الذَّات وتمثيل المواقف والحصول على الحقوق وأداء الواجبات وعدم الرُّكون إلى الدّعة وعدم الاتِّكالية وممارسة الفعل على مختلف مواقعه وأشكاله القيَمية والفكرية والعملية والذي ندعو إليه بشدّة، وبين سفور المرأة وتخلصّها من قيَم لم يشأها لها بشر بل ربُّ البشر. والمرأة من حيث تُطالب بالعودة إلى محاضِنها الأساس وتحمُّل الرَّجل أدوارَه الرئيسةَ في فرنسا وأمريكا ودول الصَّف الأوَّل، من حيث تُطْمِسُ أضواءٌ سرابيةٌ أعينَ النِّساءِ المتمتعاتِ بسكينةِ الحقِّ الإلهي فيهن. فيا سبحان الله. طُعْمٌ إيْ والله هذه الحوَّاء في سُنَّارة المريدين.
|