بكل حسرة وندم يتذكر الجميع ما حدث لأبنائنا وشبابنا أثناء وبعد حرب أفغانستان، وتحديداً بعد هزيمة طالبان وفرار مقاتليها إلى الجبال وإلى الدول المجاورة. وبكل حسرة وأسى نتذكر شبابنا الذين أمضوا أوقاتاً عصيبة في سجن باغرام أو معتقل غوانتانامو في كوبا. وبكل حسرة وندم نتذكر شبابنا الذين وصل بهم الحال إلى الاعتقاد أن قتل نفسه والمسلمين والأبرياء والأطفال والنساء وأن إثارة الرعب والخراب والدمار في بلاد المسلمين قربة يتقرب بها إلى الله دون أن يعي المحاذير الشرعية لتصرفاته الخرقاء. ومع هذا الأسى نتذكر أيضاً كيف صار الحال بأبنائنا بعد هزيمة طالبان عندما أصبحوا سلعة يتاجر فيها قطَّاع الطرق وتُباع للأمريكان وحلفائهم بثمن بخس دولارات معدودة، وعندما أصبحوا في نظر المنتصر مجرمين يستحقون الإعدام على جرائمهم في حق الشعب الأفغاني، وكيف صار حالهم بعد انتهاء حرب البوسنة والهرسك عندما أصبحوا مطاردين ومشردين يتنقلون خلسة عبر الحدود الدولية. أسترجع هذه الذكريات ونحن نتابع الأحداث في العراق وما يرد عنها من أخبار مخيفة تنذر بقرب وصول الحال بأبنائنا في العراق إلى ما كان عليه حالهم في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك، وتنذر بقرب وجود سوق رائجة لبيع الشباب السعودي الذين يحاولون الدخول أو الفرار من ساحة القتال العراقية، وعندها سنكتشف ولكن متأخرين أن مَن دفع أبناءنا إلى هذه المعركة الخاسرة هو الذي يستحق العقاب ويستحق البيع في الطرقات وعلى مسمع ومرأى من آباء وأمهات الشباب السعودي المغرَّر بهم. فإذا كان علماء هذا البلد قد أفتوا بعدم جواز الذهاب إلى العراق من أجل الجهاد، وإذا كانت جميع معطيات الواقع تشير إلى أن مقاومة المحتل الذي يحكم قبضته بمساعدة الحكومة العراقية على جميع الأمور تعدُّ ضرباً من الخيال والمستحيل؛ فإن العقل السليم يحتار عندما يرغب في تفسير ما يحدث على أرض الواقع، ويحتار عندما يجد وسائل الإعلام عاجزة عن استرجاع الذكريات السيئة التي عاشها أبناؤنا في فترات وحروب سابقة وعاجزة عن طرح هذه الذكريات على صفحاتها الأولى لتذكير الشباب بالمصير المنتظر، ويحتار لدرجة الجنون عندما يجد أن أولياء الأمور يفرطون في فلذات أكبادهم بطريقة عجيبة وغريبة، وخصوصاً وهم يعلمون بحال هذا الكابوس المستقبلي الذي قد يتعرض له أبناؤهم. ولعلي في هذا السياق أتساءل: هل يوجد بالفعل من بيننا مَن لا يقتله رؤية ابنه وهو على شاشات التلفاز متهماً بالإرهاب والإجرام؟! وهل يُوجد مَن لا يصاب بالجنون عندما يعلم أن ابنه وفلذة كبده قد بِيع بثمن بخس؟! وهل يُعقل أن يقبل البعض منا رؤية جثث أبنائهم ممزقة تركلها الأقدام في الطرقات كما حدث في كابل ويحدث الآن في العراق؟! أسئلة غريبة وواقع مرير يفرض علينا جميعاً أن نساند الجهود الرسمية التي تحاول منع أبناء الوطن من الإلقاء بأنفسهم في التهلكة، وحمايتهم من الوقوع ضحية لأصحاب الأغراض السياسية والفكرية الذين لا يضعون للجهاد بمعناه الشرعي السليم موضعاً في سُلَّم أولوياتهم. ويفرض علينا هذا الواقع المرير والمصير المتوقع لأبنائنا أن نقف بحزم أمام مَن يحاول الدفع بأبنائنا إلى ميادين الهلاك، وتحميلهم نتيجة فتاواهم الثورية التي لا تُقيم اعتباراً لمعطيات الواقع ولا للمسلمات الشرعية التي تمثِّل الضابط الرئيس للحركات الجهادية السليمة. ويفرض علينا هذا الواقع أن نحمل وسائل الإعلام مسؤوليتها الوطنية في مجال توعية أولياء الأمور بالمخاطر التي تنتظر أبناءهم، وتوعية الشباب بالضوابط الشرعية للجهاد التي لا تستند إلى العواطف وتوعيتهم بواقع وخبايا الحروب والقيادات الخفية التي تحرك العواطف وتستغل سلامة النية والعاطفة الدينية لدى أبنائنا، وخصوصاً بعد أن أثبتت التجارب السابقة خطأ التسابق إلى هذه الميادين، وبعد أن تنازع واختلف أمراء الحروب السابقة على السلطة وفتات الدنيا.. فهل يتحقق ذلك؟ الله أعلم.
|