Tuesday 7th June,200511940العددالثلاثاء 30 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الثقافية"

لماذا المسرح الشعري؟!لماذا المسرح الشعري؟!

لابد لنا، قبل كل شيء، من محاولة لتبرير اختيار المسرح الشعري ميداناً لدراستنا، ذلك لأنه قد يبدو مستغرباً أن يقتصر بحثنا على هذا المجال الضيق إذا ما قورن بالمسرح النثري الأكثر تطوراً والأكثر فسحة للدراسات الأدبية الاجتماعية.. وفي الواقع، يكاد مجموع المسرح الشعري الذي بين أيدينا لا يتجاوز ضعف المسرحيات التي قدمها لنا كاتب مسرحي ناثر واحد هو توفيق الحكيم.
ولكن أهمية المسرح الشعري لا تقاس بالعدد المحدود الذي قدمه من مسرحيات، فجمهورنا ما يزال يحفظ للشعر منزلة أثيره, وما يزال الشعر - والشعر المسرحي بطبيعة الحال - جماهيرياً بدوره هو الآخر، كما أن شعرنا العربي يملك موسيقى متميزة كثيرة العلوق بالذاكرة، لذلك كان مؤهلاً لأن يؤدي رسالة شعبية ويحلم الحقيقة الاجتماعية التي يريد إلى الشعب.
والشعر، بأوزانه وموسيقاه، هو (حافظ الفكرة إذ لا يمكن أن نفسد هذه العبارة المموسقة التي تضم الفكرة دون أن تشعر الأذن وتنتبه لذلك والشعر العربي، بشكل خاص، يملك موسيقية فائقة إذا توصل بها إلى تأدية حقيقة اجتماعية انطبعت في الأذهان والقلوب.
وثمة ملاحظة أخرى وهي أن المسرحيات الشعرية، رغم قلة عددها، ورغم قلة عرضها على خشبات المسارح، فإنها مقروءة من قبل جمهور واسع من الانتليجانسيا العربية التي تلعب دوراً متعاظماً في حياة الأمة وبناء الوطن، ومن الأهمية بمكان أن يربح المسرح الشعري إلى جانبه هذه الفئة المتميزة.
وهكذا يكون مطمئناً إلى انتشار أفكاره وإلى التأثر بها, وفي الواقع فإن مسرحنا عموماً هو مقروء أكثر مما هو مشعود في قاعات العرض أو على خشبات المسارح أو الأندية.. وفي مقابلة أجرتها مجلة الأسبوع العربي مع توفيق الحكيم صرح بأن الناس يقرأون مسرحياته أكثر مما يشاهدونها بل إن بعض المؤلفين المسرحيين لا يهمهم في كثير أو قليل أن تتمثل مسرحياتهم بل كان همهم في أن ينشروها وفي أن تصل إلى أيدي القراء.
ثم كيف لنا أن ننسى بأن أرسطو في كتابه (الشعر) لم يكن يتصور المسرح إلا شعرياً.. كما أن روائح المسرح كتبت شعراً بدءاً بأسخيلوس رائد التراجيديا، مروراً بشكسبير والكلاسيكيين الفرنسيين وغيرهم، وإن كان بعض هؤلاء قد أخذ يمزج الشعر بالنثر.
ولقد كان ت.س. اليوت يرى بأن ثمة في النفس البشرية من المشاعر والانفعالات ما لا يستطيع النثر مهما بلغ من الجودة والأصالة أن يعبر عنه أو أن يحده.. وتظل تلك مهمة الشعر، والشعر المسرحي بطبيعة الحال.
ولنقبل أخيراً كون الحضارة التكنيكية الحديثة لم تنل من الشعر ولكن الشعر، مع ذلك، وجد نفسه محمولاً على أن يغير أشكاله وأن يتحرر من بعض العوائق وإننا نلاحظ بأن حضارتنا، بعيداً عن أن تكن مجانية للشعر، تعتبر بأن الشعر ذو رسالة هامة في التطور الاجتماعي، ومن خلال هذا المفهوم أردنا دراسة المسرح العربي الشعري، دون أن نهمل، مع ذلك كل الجمال الفني الذي ينبعث عنه..
ذلك لأن الشعر والمسرح يؤلفان تركيباً موفقاً، أو كما قال أندري آلتير: (ليس المسرح والشعر إلا شيئاً واحداً: فكلاهما شهود الإنسان لمصيره). بل إن المسرح والشعر لا يفترقان وذلك لسبب بسيط هو أنه (لا فرق بينهما في الكنه والطبيعة).

د. أحمد سليمان الأحمد
المصدر:كتاب المجتمع في المسرح العربي الشعري.. الدكتور أحمد سليمان الأحمد

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved