Friday 3rd June,200511936العددالجمعة 26 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

والنجاح يتلوه النجاحوالنجاح يتلوه النجاح
دراسة جنائية لأحداث الرس
د. يوسف بن أحمد الرميح

انتهت عملية الرس بعد ساعات طويلة جداً من الانتظار ولكنها ولله الحمد أثبتت وبقوة ووضوح أنها أنظف وأفضل عملية لمقاومة الإرهاب والعنف داخل المملكة.. كباحث جنائي استطيع أن أصفها بأنها عملية من ذهب (صيد ثمين)، فعندما يجتمع أكثر من عشرين إرهابياً للتخطيط للإفساد في الأرض ثم يطوقون جميعاً هي والله فرصة أغلى من الذهب، ولكن كدارس لبعض المنظمات الإرهابية المسلحة لي عدة نقاط استنتجتها من درس الرس وأردت أن أوضحها لأخي وأختي ابن وبنت وطني الكريم المملكة العربية السعودية، أهمها:
- وجود هذا العدد الكبير (أكثر من عشرين إرهابياً) في مكان واحد يثبت ويؤكد تأصل النية الإجرامية لدى هذه الفئة الضالة.. هذا العدد كان ووبساطة يخطط لعمليات إرهابية جديدة ولكن كان الله لهم بالمرصاد وانتهت العملية بنجاح منقطع النظير ولله الحمد.
- هذه العملية أثبتت للجميع قوة ودقة أجهزتنا الأمنية في ملاحقة فلول هذه الفئة الضالة وإن كانت في صحراء مثل نفود الثويرات أو في محافظة صغيرة نسبياً مثل الرس.. هذا أثبت كذلك حكمة وبعد نظرة القيادة في بلدنا الطاهر في عدم إهمال أي ظاهرة أمنية صغيرة قد تُخفي الفساد وراءها كما حدث في الرس.
- ويتواصل التعامل من قيادة الخير والطيبة في وطن الخير مع هذه الفئة الضالة حيث تم الاتصال بهم مراراً قبل إطلاق رصاصة واحدة وطلب منهم التسليم إلا إن الفاسد يبقى فاسداً فقابلوا الإحسان بالإساءة وردوا بكلام بذئ ينم عن فساد نية وبدأوا بإطلاق النار على رجال الأمن الذين كانوا في مكان وموقع المسؤولية الملقاة عليهم.
- لابد من كلمة شكر وتقدير وعرفان للنظرة الأمنية الثاقبة وللقوة الاستخباراتية والتي كشفت هذا الوكر الفاسد الخبيث قبل أن ينفجر ويحصل ما لم يكن في الحسبان، مع أنه وللأسف الشديد الجيران لم يلاحظوا أي شبهة أو يشكّوا في أي حدث قبل المواجهة، وما زلت أرى تقصيراً واضحاً من الحي والجيران وجماعة المسجد في التعامل مع مثل هذه الأحداث.
- عملية الرس وبفضل الله تعالى كانت برأيي كباحث في علوم الجريمة والإجرام ودارس للعديد من المنظمات الإجرامية المسلحة نجاح باهر بكل المقاييس لعدة اعتبارات مهمة لعل منها:
أ- العدد الكبير من أفراد هذه الفئة الضالة.
ب- الحرص على حماية أرواح المدنيين حيث إنه لم يصب أحد.
ج- حماية أرواح رجال الأمن حيث لم يقتل منهم أحد.
د- وجود التعاطف الواضح والجلي من قبل أبناء الوطن لرجال الأمن وهذا هو الأصل والمتوقع والطبيعي.
هـ- أن الرس كانت بعيدة نسبياً عن مواقع القوى السياسية والعسكرية ولذلك اختارها الإرهابيون مكان لاجتماعهم لبعدها عن عين الرقيب لتنسيق الجهود بهدوء وروية للانتقال لمرحلة جديدة من التفجيرات الدموية، ولكن وبفضل الله أولاً ثم بفضل القيادة الواعية ورجال أمننا البواسل أصبحت الرس مقبرة للإرهابيين ونقطة سوداء في تاريخ هذه المنظمة الإرهابية ومؤشراً على نهايتها القريبة ووسام فخر للوطن وأبنائه.
- حادثة الرس أرسلت رسالة واضحة، جلية، صريحة لكل فاسد مفسد بحق وطنه أنه لن يجد مكاناً للاختباء ولا مكان للتنسيق للفساد داخل الوطن مع كبر مساحته وتباعد حدوده، لأن القيادة والمواطن ورجل الأمن يقفون لهم بالمرصاد.
- الرس علمتنا أننا وبفضل الله ثم بالقيادة الراشدة الواعية وتعليماتهم لرجال الأمن البواسل كانت لهم المبادرة وليس ردة الفعل، هذه أوجدت سلاحاً فتاكاً بيد المواطن ورجل الأمن وهو عنصر المفاجأة وكان هذا صاعقاً لهذه الفئة الضالة عندما بوغتوا في هذا المكان.
- عملية الرس علمتنا أيضاً درساً واضحاً أن هذه الفئة الضالة مازالت تخطط لأعمال إجرامية كبرى قادمة والدليل كمية ونوعية الأسلحة التي وحدت معهم ووجود أناس مطلوبين منذ مدة، منهم أجانب، وللأسف كنا كمجتمع طيبين لحد السذاجة في استضافتهم في وطننا، كمن يستضيف حية سامة في منزله، وجود هؤلاء الأشخاص وكميات الأسلحة بما فيها نوعيات كبيرة من السلاح والصواريخ لا تبين النية الجيدة قطعياً ولكن العكس.
- كان بالإمكان عقد هذا الاجتماع بطريقة كلاسيكية لهذه المنظمات الإجرامية عن طريق الهاتف ولكن لأهمية هذا اللقاء الاجتماع وتوزيع الأدوار والأسلحة كان لابد من عقده والجديد هنا هو أن يعقد في محافظة بعيدة وصغيرة نسبياً عن مراكز القوة.
- كان المسجد قريباً جداً لموقع هذه الفئة الضالة وكان على بعد أمتار قليلة، فالمواطن العاقل كان يجب أن يعرف الحق فلو كانت هذه الفئة الضالة تريد الجهاد فعلاً لقامت بالصلاة بالمسجد حيث إن الصلاة هي عمود الدين ولا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد.
وهؤلاء لم يشاهدوا في المسجد، أم أن هؤلاء يريدون الجهاد ولا مانع عندهم من ترك الصلاة جماعة، وهذه تعطي رسالة واضحة لمن يتعاطف مع هذه الفئة الضالة (على أنهم مجاهدون إذاً لماذا لا يصلي هؤلاء المجاهدون).
- عملية الرس تعلمنا درساً إستراتيجياً في قمة الأهمية والخطورة وهو أن هذه الفئة الضالة لا تراعي حرمة الآمنين ولا المدنين ولا حتى الأطفال مثل طالبات المدرسة الابتدائية والتي كانت قرب موقع الحدث.. والسؤال الخطير لماذا كل هذه الأسلحة والقنابل قرب المدنيين.. ماذا لو حصل انفجار عرضي لهذه الأسلحة قبل المداهمة كم مدنياً وكم طفلاً سيقتل.
هذا يبين لي شخصياً كباحث جنائي متخصص رخص حياة الإنسان عند هذه الفئة الضالة وعدم اكتراثهم بحياة المدنيين، وإلا لماذا كل هذه الأسلحة الهائلة وسط حي سكني، وهذا دليل آخر على فقر أفراد هذه الفئة الضالة والمتعاطفين معها من أي قيم إنسانية.
- أحداث الرس تبين الثقافة الإجرامية المتوارثة بين أفراد هذه الفئة الضالة والدليل عليها أن الطفل الموجود معهم خرج من المبنى وبيده السلاح يطلق النار على رجال الأمن، وهذا يوضح بجلاء الضغط النفسي على أفراد هذه الفئة الضالة من قياداتهم الخبيثة الإرهابية وأن هذه القيادات تعطي دروس وضغوط إيدلوجية للأفراد تدفعهم للقتل حتى لو كانوا أطفال وهذا يبين للمتعاطف معهم خطورة هذه الفئة ووجوب البعد عن هذا المنهج الدموي الفاسد.
- وهذه الأحداث بالرس تبين ثقافة الموت والدموية التي تمارس على الأطفال. تصوروا أن طفلاً لم يصل للمراهقة يطلق النار على رجال الأمن ولا مانع عنده من القتل ويستخدم الرشاش فأي تربية هذه؟.. هي والله التربية الدموية المتطرفة التي مورست عليه ثم هو يطبقها ويطلق النار على الآخرين.. والطفل ما هو إلا نتاج ثقافة أسرته، وهذا الطفل يبين لنا كيف يرى الإرهابي أطفاله لأن يكونوا دمويين، لذلك شاهدنا قبل فترة أحد أفراد هذه الفئة الضالة والذي قتل في إحدى المواجهات مع رجال الأمن وقد صور نفسه مع أولاده وبعضهم طفل رضيع وهم يلعبون بدلاً من الألعاب المألوفة والألعاب الإلكترونية يلعب أبناء هذه الفئة الضالة بالمسدس والرشاش والقنبلة اليدوية، وهذه هي التربية الدموية والله يستر من حال هؤلاء الأطفال بعد سنوات ماذا سيكونون.
- أحداث الرس كذلك علمتنا حياة الرعب والخوف التي يعيشها أفراد هذه الفئة الضالة بعدة أمور منها عدم الصلاة بالمسجد مع ادعائهم بالتدين والجهاد وذهاب بعضهم للنوم خارج المدينة وهو متنكر بلباس امرأة حتى لا يعرف والاختباء عن الناس وغيرها.
ما سبق كان تحليلاً من الجانب الجنائي، ولكن هناك عدة نقاط أفادتنا بها الرس من الجانب الإنساني لعل منها:
- تعاون وتعاطف المواطنين في الرس كان في غاية النبل والأخلاق وهذا ليس بغريب على الرس وأهالي الرس وتاريخ الرس.
- تسببت هذه الحادثة في إيقاف الصلاة بعدد من المساجد في الرس لأول مرة منذ إنشائها بسبب هذه الفتنة من هذه الفئة الضالة وهذا جرم كبير كما قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}
- مساجد الرس ومنابرها ضجت بالقنوت والدعاء على مثيري هذه الفئة وأن يرد الله كيدهم في نحورهم وهو ما حدث ولله الحمد والمطلوب استمرار هذا الدعاء عليهم والدعاء للوطن ولولاة الأمر بالرعاية والتوفيق والحفظ من الله تعالى.
- أثبتت الرس أن بنات الوطن في موقع المسؤولية مثل رجال الأمن فأثبتت المرأة في الرس أنها في قمة المواطنة والتضحية في ميدان الشرف وهذا ما حصل من الإخوات العاملات في الابتدائية الخامسة والعشرين والتي ضربت فيها إدارة المدرسة والمعلمات والطالبات وأولياء الأمور وحتى حارس المدرسة أروع الأمثلة على الحرص على الوطن والتضحية في سبيله وعلى بنات الوطن.
- من المشاهد المثيرة والتي تنم عن الطبيعة الساحرة لأهل الرس وكريم سجاياهم وقوفهم مع رجال الأمن كل حسب استطاعته من تقديم الطعام والوقود وغيرهما، وهذا ليس بمستغرب على الرس وأهالي الرس.. فالرس حفرت اسمها في الذاكرة أنها قوة للوطن مقبرة لأعدائه، عظيمة بأهلها ومحبيها قوة بتلاحم أبنائها مع قيادتنا.. الرس سطرت اسمها في تاريخ الحضارة برجالها ونسائها وأطفالها الذين كانوا ومازالوا رموزاً عالية بالوطنية والتضحية وحب الوطن فلهم منا جميعاً المحبة والشكر والعرفان.
ختاماً والختام مسك الشكر والعرفان والولاء للقيادة التي تفرح بفرح المواطن وتغضب لغضبه وتهدف لحمايته وتسعى لراحته.. رسالة شكر وتقدير وولاء للقيادة في الملمكة عامة التي كانت على اتصال في مدار الساعة مع الرس والقيادات الأمنية الميدانية بالرس.. تحية إجلال وإكبار للوالد القائد خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني.. وتحية تقدير وعرفان وشكر للأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الدالخية وللأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية وللأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية على تفقدهم للرس وحادثة الرس على مدار الساعة وزيارتهم للرس وتفقد المصابين من رجال الأمن ووقوفهم على الحدث مباشرة.
تحية إعزاز وإكبار لرجل الأمن الأول في القصيم، عين القصيم الواعية الساهرة وقلب القصيم النابض وفؤادها المحب وعقلها المدرك لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم الذي كان يتابع الحدث لا أقول ساعة بساعة ولكن والله كل عشر دقائق مع الحدث حتى انتهى والبيت الجميل يدل على المهندس الرائع، ونظافة وقوة هذه العملية تدل على تخطيط رجال الأمن الأول في المنطقة، فللأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز منا أبناء القصيم كل المحبة والاحترام والولاء وللأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة القصيم الشكر والتقدير والعرفان.
والحمد لله أولاً وآخراً.

وكيل كلية اللغة العربية- أستاذ علم الجريمة والإجرام المشارك - جامعة القصيم

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved