دائرة الموت والانتقام في لبنان

لم يخرج لبنان من صدمة، وتداعيات اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، حتى حدثت جريمة اغتيال الصحفي سمير قصير، لتدخل البلاد في محنة جديدة، ولترتسم في الأُفق اللبناني سحابة من الشكوك، التي تُضاف إلى غموض ملابسات اغتيال الحريري.
ومن المهم دائماً توفُّر قدرٍ كبيرٍ من الانضباط في هذه الأجواء التي تلفها الشكوك، فالوضع بكامله في غاية الحساسية، التي لا يجدي معها سوى التّأني في إصدار الأحكام والاتهامات، والأفضل إزاء ذلك الامتناع عن إصدار الاتهامات، طالما أنها تفتقر إلى الدلائل الموثوقة أو القرائن القوية، ومِنْ ثمَّ فإن إفساح المجال أمام التحقيقات الأمنية، سيكون خير معين للذين يقومون بهذه المهمة على أداء عملهم، وإلا فإن خيوط الجريمة قد تضيع في ظل تصعيد اللهجة السياسية المشحونة بالانفعالات والاتهامات التي تنطلق في كل صوب.. لذلك تبقى أهمية إدانة هذا العمل الوحشي، باعتبار أنه تعبير عن إفلاس حقيقي في بلد تتوافر فيه كامل أدوات التعبير عن وجهات النظر والمواقف، كما تتوافر فيه منابر النِزال والجدل السياسي النزيه.
فالجريمة تكشف بكل وضوح عن ضِِِيق البعض بكل هذه الإمكانيات، لأنها لا تتفق مع منطلقاتهم التي حتماً لا تشمل مصلحة لبنان، إذ إن الاغتيالات تفرز فقط أجواء الريبة والشك، ومِنْ ثمَّ قد تدفع، وبناءً على مجرد الشكوك، إلى حالة من الانتقام، والانتقام المضاد بصورة متوالية مقيتة، وجائرة في كل الأحوال.
إن العملية السياسية المستمرة الآن، والمتمثِّلة في الانتخابات تستوجب قَدْراً من الهدوء، حرصاً على إنجاحها باعتبار أنها ترسِّخ البنيات الدستورية المطلوبة والضرورية لتسيير البلاد، لذلك فإن الإخلال بهذه العملية بوساطة الاغتيالات، أو غيرها يعني دفع البلاد إلى حالة من الفوضى، التي قد تعصف حتى بحالة التّوافق التي مكَّنت من إجراء هذه الانتخابات.
ولبنان الذي خَبِر التجربة المريرة للحرب الأهلية، قد يكون مُحصَّناً ضد ذات الأهوال، باعتبار أن التجربة رادعة في حدّ ذاتها عن الانزلاق، نحو تلك الأهوال مجدداً، ومع ذلك فإن المناعة الحقيقية تستوجب توفُّر الإرادة القوية، لتجاوز الاستفزازات التي من شأنها استدراج اللبنانيين إلى ذلك المستنقع.
لذا فإن الوعي بالمخاطر القائمة وإبعادها، وتحديد هؤلاء الذين يقفون ضد مصالح لبنان.. كلها عناصر ينبغي استصحابها من أجل ضمان سلامة لبنان.