* الجزيرة - خاص: لا أحد ينكر الدور الذي تقوم به جمعيات ودور تحفيظ القرآن الكريم، التي تنتشر في ربوع بلادنا، في كلِّ قرية وهجر، ولا أحد ينكر الدعم الكبير الذي توليه الدولة وولاة الأمر - حفظهم الله - لجمعيات وحلقات التحفيظ، وممن أفاء الله عليهم بالخير في ذلك المضمار .. ومن يستعرض عدد جمعيات التحفيظ، وعدد الحلقات التي تنظَّم بصفة منتظمة على مدار العام، أو التي تقام في الإجازات والعطلات، وأعداد الملتحقين بها، وعدد الحفظة، يدرك أهمية هذه الحلقات في الحفاظ على النشء وتخريج الحفظة، والجهود التي تتضافر لتفعيل هذه الدور والارتقاء بمستوى الحلقات. ولكن لا أحد ينكر أنّ هناك ظاهرة خطيرة بدأت تطلُّ برأسها في الآونة الأخيرة، وهي ظاهرة التسرب من حلقات التحفيظ، وخاصة من الشباب في سن المراهقة، وتفلُّت القرآن من البعض الآخر، بعد أن قد يكون منّ الله عليه بحفظ كتاب الله كاملاً أو أجزاء كبيرة منه .. فمن المسؤول عن هذه الظاهرة؟ .. هل هو أسلوب الحلقات في التحفيظ والمتابعة، أم انحسار دور المحفِّظ واقتصاره على الأداء في الحلقة فقط، أم ضعف الهمّة، أم انشغال الأُسرة عن متابعة الشباب وتذكيرهم بالحلقات والمتابعة، أم طوفان الإعلام والفضائيات والإنترنت الذي استقطب شريحة من هؤلاء الشباب ؟!! لقد طرحنا هذه القضية للنقاش على مجموعة من مسؤولي الجمعيات وأهل الرأي والتربويين والتربويات، وهدفنا هو الوصول إلى حلول للظاهرة، ومحاولة علاج ظاهرة (الانقطاع) أو (التفلُّت) من الحلقات التي كان دورها عبر التاريخ في حفظ الأجيال وتخريج حملة الدعوة، ومشاعل النور، فكيف نحافظ على دور حلقات التحفيظ ونفعِّله ونجعلها محض جذب الأجيال والناشئة. ***** المسؤولية المشتركة في البداية يقول الأستاذ الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي، الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة: لا أحد ينكر بأنّ الأمر موجود، وإن لم يصل إلى حد الظاهرة، فحب القرآن، وحلقات التحفيظ فطرة من الفطر التي جُبل عليها المسلم، ويجب علينا غرس حب القرآن الكريم وتعظيمه في نفوس النشء منذ الصغر والاعتقاد به حفظاً وفهماً وعملاً، لأنّ فيه سعادة الدارين في الدنيا والآخرة. والسبب عدم اتباع الطرق التربوية الصحيحة في معاملة الطلاب، وخصوصاً في سن المراهقة، وأيضاً إعطاء الطلاب الثقة بأنفسهم وإشعارهم بتحمُّل المسؤولية، وكذلك اتباع طرق الترغيب والترهيب معاً من الوسائل المتَّبعة، ولكن لا بد من تغليف جانب الترغيب والتشجيع والتحفيز بشتى الطرق المتاحة وبصورة دائمة، ومتابعة الطلاب بالنُّصح والإرشاد، وهؤلاء لا بد من اتِّباع المحفِّظ لهم أسلوباً منفرداً في التعامل، فيتحدث معهم على انفراد، ويتفَّهم مشاكلهم ويحاول حلها، ويجعل الطالب يثق فيه ويحبه، كما أنّه لا بد للمحفِّظ أو المعلم أو المعلمة معرفة نفسية الطلاب، والتعامل معها، وطبعاً هناك فروقات فردية في القدرات والإمكانات والاستعدادات، ومعرفة نفسية الشاب المراهق عامل أساسي في التعامل معه بطريقة جيدة وترغيبه في الحلقات، وإضافة إلى أهمية التنسيق بين المدرس وولي أمر الطالب أمر مهم جداً، ويساعد في تشجيع الطالب على مواصلة الحفظ والالتزام بالحلقة .. وقد كان كثير من أهل العلم يشجعون طلابهم إذا وصل أحدهم إلى قدر معيَّن من الحفظ والإتقان. وكانوا يجلسونهم إلى جوارهم، ويوكلون إليهم بعض المسؤوليات، مثل التسميع للطلاب الصغار، بل كان يناديه باسم الشيخ تقديراً وتحبيباً له في حفظ القرآن الكريم. ويضيف د. العوفي بأنّ المسؤولية مشتركة، وضرورة متابعة ولي الأمر، ولا بد للمحفِّظ من إشعاره بمستوى ابنه، للأسف هناك من أولياء الأمور من يظهر لابنه ولو بطريقة غير مباشرة بأنّ التحفيظ من الأمور الثانوية وليست الأساسية، وهذا سبب كبير في تفلُّت الطلاب وانقطاعهم، وعلى الوالد أن يشجع ابنه ويرصد له المكافآت المادية نظير حفظ جزء معيَّن خلال فترة معيَّنة، والمحافظة على المراجعة، وأيضاً ضرورة أن يرى الأب ابنه على تقدير واحترام المدرس وأهل القرآن، وأنّه في مقام والده. ويؤكد العوفي أنّ في ربوع المملكة العديد من المسابقات المحلية والعالمية للحفظة، وتُرصد لها المكافآت السخية، وهي عامل مهم لتشجيع الطلاب على الحفظ والمراجعة، كما أنّ متابعة جمعيات التحفيظ لإعداد الملتحقين ومستويات الحضور والحفظ والمراجعة .. من الأمور المهمة، وأيضاً في علاج المشكلات أولاً بأول، خصوصا مع ازدياد عدد الطلاب عند المدرسين، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الفعالية في الأداء، والمؤكد أنّ دور المدرس أو المحفِّظ يُعَدُّ الأساس في تفعيل دور الحلقات، وفي الحد من تفلُّت الطلاب منها. كفاءة المعلم .. أولاً الأستاذة خديجة بنت علي البلوشي مديرة إدارة الإشراف التربوي بمحافظة حفر الباطن، لها رؤية تحليلية لظاهرة تفلُّت الشباب المراهق وحلقات التحفيظ وتوجزها في ست نقاط أساسية هي: أولاً: إنّ طبيعة النشء في هذه المرحلة من العمر، مرحلة المراهقة، تحتاج إلى احتواء أُسري مكثف وإلى اهتمام زائد من قِبل المدرسة، ولذلك لا بد من عقد مجالس الآباء والأمهات بصفة مستمرة، لإيضاح المتغيرات الخاصة بهذه المرحلة، من جميع الجوانب النفسية، والجسمية، وإبراز العوامل المؤثِّّّّّرة في تفوُّق الطالب والطالبة، وضرب الأمثلة من الواقع لطلاب وطالبات متفوقين ودور أُسرهم في ذلك. ثانياً: عقد المسابقات الدينية المستمرة في حفظ القرآن الكريم بجميع مستوياته، وأيضا المسابقات الثقافية والعلمية المنوعة، وتكون أسبوعية أو شهرية، ويخصص لها حوافز قيِّمة. ثالثاً: التركيز على الحافز المادي والمعنوي لطلاب وطالبات هذه المرحلة والقيام بجولات ميدانية لبعض دور حلقات التحفيظ المتميزة، والاستعانة ببعض الوسائل التعليمية الحديثة المعينة على إيصال المعلومة. رابعاً: الاهتمام باختيار المعلم والمعلمة الكفء والمتمكن والمتميز بالنشاط والحيوية والقدرة على إقامة علاقات مع الطلاب والطالبات، وتعزيز الجانب الديني لديهم من خلال الحصول على الأجر والثواب العظيم من الله، بحفظ كتابه ودراسة أحكامه ومعانية. خامساً: أن تخصص درجات إضافية مثلاً أو وضع نقاط لإظهار مَوَاطن القوة والضعف للطالب والطالبة في حلقات التحفيظ، ويؤخذ بهذه الدرجات عند إجراء المفاضلة في الالتحاق بالجامعات والكليات. سادساً: يفضل ألاّ يلتحق الطالب أو الطالبة بهذه الدور إلاّ في المرحلة المتوسطة والثانوية حتى لا يشعر بالممل. طوفان الإعلام ..!! الدكتور أحمد بن موسى السهلي رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الطائف، يرى ضرورة معرفة الأسباب الحقيقية لهذا التفلُّت أو لهذا الانقطاع من بعض الشباب في سن المراهقة عن حلقات التحفيظ، لأنّ الحكم على الشيء جزء من تصوُّره .. وأول هذه الأسباب انفتاح المجتمع بشكل كامل على ثقافة الغرب وعاداته وتقاليده واقتصاده ومفاهيمه، وغير ذلك من خلال وسائل الإعلام خصوصا القنوات الفضائية والشبكات المعلوماتية .. وهذا الطوفان القادم من خارج الحدود، لا يمكن منعه أو الحد منه أو السيطرة عليه، ولكن يمكن تحصين الشباب منه. ولقد أثمر هذه الطوفان عن سلبيات كثيرة انعكست على الشباب، ويمكن تلخيص السلبيات الناجمة عن هذا الطوفان في انبهار الشباب بمثل هذه الأمور، غياب دور الآباء وعدم تحصينهم لأبنائهم وأولادهم، فقد يكون في البيت هذه الملهيات، ويتم استخدامها دون ضابط أو موجِّه، وتصرف أنظار الكبير مثل الصغير، ولأنّ هذا الأمر جعل المنزل غير مشجع للابن أو الابنة على التحفيظ والمداومة في الحلقات. ويؤكد د. السهلي أنّ بعض المحفِّظين لا يدركون الواقع المر الذي يعيشه الشاب المراهق، مما يؤدي إلى حالة من الانفصام بين المحفِّظ ودوره، وبين الشاب وواقع المعاش، كما أنّ هناك فهماً خاطئاً لدى بعض أولياء الأمور، فمنهم من يرى أنّ حلقات التحفيظ أمر ثانوي، ومنهم من يراها مضيعة لوقت الطالب، ولا بد من الاهتمام بالدراسة، وأنّ انخراط الابن في الحلقات سبب تخلُّفه الدراسي، وهذه مفاهيم خاطئة، لأنّ الطالب المتفوق في حلقات التحفيظ من أبرز المتفوقين دراسياً، وهذا فضل القرآن الكريم، كما لا ننسى أنّ للبيت دوراً هاماً جداً في انضباط الطالب بتشجيعه وتذكيره وإيجاد الحوافز له، ومتابعة الابن وتحذيره من أصدقاء السوء، وللأسف بعض البيوت فيها تفلُّت شرعي، وهذا يؤثر سلباً على رغبة الطالب في الاستمرار في حفظ القرآن الكريم. ويشير د. السهلي إلى العلاج وذلك من خلال تثقيف الأبناء وتوعيتهم وإعلامهم بالخطأ والصواب، ليكون لديهم حصانة ذاتية والتركيز على غرس المبادئ القوية في النفوس ليتعاملوا مع المؤثرات بشخصياتهم المستقلة، حيث يتعذر منعهم من كلِّ المؤثرات السلبية، وهذا التثقيف ينبغي أن يتعاون عليه البيت والمدرسة ومدرس الحلقة، وأيضاً تعليم القرآن في نفوس الأبناء، وبيان ما أعدَّه الله لأهل القرآن في الدنيا والآخرة، وتربيتهم على احترام المعلمين والمحفِّظين وحفظة كتاب الله، وإبراز النماذج التي حفظت كتاب الله وتفوقت دراسياً، وكلّ الحفظة تقريباً متفوقون، وإشعار الطالب بفضل القرآن الكريم، وإنه نور وشفاء من الأمراض النفسية، والجسمانية، وشغل أوقات الطلاب بما يفيد وينفع له ولأهله وحيِّه ومجتمعه، ورصد المكافآت للحفظة والمنتظمين في الحلقات، ومتابعة الأُسر لأبنائها من حيث الصحبة والحلقة، وسؤالهم ماذا حفظوا؟! .. ما الجديد؟! .. معدّل المراجعة؟! .. الورد اليومي؟! مؤكداً أنّ الدعم المادي لحلقات التحفيظ سيفعل دورها، وينعكس على أداء المحفِّظ، وعلى أجواء الحلقة، ويشعر الطلاب بالرعاية والتقدير والاحترام، ووضع المكافآت التشجيعية من الأمور المهمة، وكذلك رفع كفاءة المعلمين ومستواهم، كما أنّه لا بد من تهيئة أجواء الحلقات، وأن تكون بيئة جاذبة للطلاب، فالجو الممتع يجذب، أما غير ذلك فينفر ويطرد ويجعل الطلاب يتفلتون أو يذهبون متثاقلين إلى الحلقات .. ونصيحتي لأولياء الأمور بأن يتقوا الله في بيوتهم وأبنائهم، ولا بد من ترغيب الابن والابنة على المداومة في الحلقات والحفظ والمراجعة، ولا بد من سلامة البيت من المنكرات والملهيات والمغريات غير الشرعية التي تصرف الكبير قبل الصغير وتدفع قطعاً الأبن إلى الانحراف بالتقليد السيىء، ولا بد من التعاون مع المسؤولين عن الحلقات، والمتابعة المستمرة للأبناء خاصة الشباب في مرحلة المراهقة والتعرف على من يصادقون وأين يذهبون، وإقامة حوارات مفتوحة معهم، وتفهُّم قضاياهم، ومعالجة الأمور بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن .. كما أنّه لا بد من تكريم الطلاب المتفوقين سلوكاً وحفظاً، وإعطاء شهادات التكريم للمدرس الناجح تربوياً وتعليماً .. وينبغي على جمعيات التحفيظ أن تطور مستوى مدرسيها ومشرفيها من النواحي التربوية، وإقامة دورات للتدريب، والتأهيل وكيفية التعامل مع المراهقين، ويفضل أن يكون لكلِّ جمعية تحفيظ برنامج خاص للفئة التي حفظت القرآن الكريم كاملاً، حتى لا يشعر الطالب بالفراغ بعد أن أنهى الحفظ كاملاً. أصدقاء السوء .. الأستاذة قماشة بنت عبد الكريم الشايع مديرة مكتب الإشراف التربوي بموقق، ترى أنّ الوالدين يحرصان في البداية على التحاق أبنائهم لحلقات التحفيظ وهذا أمر حسن وجميل، ومهم في السن المبكرة، لأنّه يربي الأبناء على مائدة القرآن وهم صغار ويجعلهم من محبي القرآن، وينقي سلوكهم من الانحرافات، ولكن - كما تقول الأستاذة قماشة - أن هذا الاهتمام يكون كفقاعة الصابون يبدأ يتلاشى مع الكبر، حتى تنفجر الفقاعة، وكأن شيئا لم يحدث، حيث يتلاشى حرص الوالدين على ذهاب الأبناء إلى حلقات التحفيظ، ثم ينعدم هذا الاهتمام في سن المراهقة وهي السن الخطرة، والتي فيها الشباب أحوج ما يكون إلى هذه الحلقات، وكذلك قد ينقطع الشاب عن الذهاب إلى الحلقة، أو يهمل الحفظ، أو لا ينتظم في المراجعة، ويتفلت منه ما يحفظه من كتاب الله. وتقول قماشة الشايع: إنّ علينا أن نبحث عن علاج شامل لا مسكنات لهذه الظاهرة، ولكن مثل العلاج لا بد من التشخيص الحقيقي للأمر، ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى ذلك، ثم تحدد أبرز الأسباب في عدم الإخلاص، لأنّ الكثيرين ممن يتجهون إلى حفظ كتاب الله لنيل جائزة أو الحصول على دعم مادي أو تقدير هو طلب العلم لغير الله كما قال بعض السف، وهذا لا بركة فيه، فالبركة والخير هو طلب القرآن للدنيا والآخرة. وتؤكد الأستاذة قماشة بقولها: إنّ العلاج هو تعليم النشء بإنّه لا يقبل من الأعمال إلاّ ما كان خالصاً لوجه الله، لاسيما إذا فقه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده إنه لأشد تفلتاً من الإبل في عقلها). وعلينا أن نشحن همم النشء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه)، وعلينا أن نعلِّم أبناءنا فضائل القرآن، وأن الجوائز المادية وإن جاءت فهي محفزة لهم ومن فضل القرآن على من يحفظه. أما عند انقطاع الشباب عن حلقات تحفيظ القرآن الكريم دون سبب، فتقول الأستاذة قماشة الشايع: إنّه قد يكون لأعذار واهية، مثل الانشغال بالدراسة، أو الرغبة في التفوق، أو عدم وجود الوقت، وهذه للأسف حجج غير صحيحة، لأنّ معظم المتفوقين هم من أهل القرآن والحفظ، ولذلك علينا أن نناقش هؤلاء الأبناء ونحذرهم من هذه الأوهام، ونجبنهم أصدقاء السوء وهؤلاء خطر كبير على الابن، وخاصة المراهق وأيضاً ضرورة أن يهتم المشرفون على الحلقات بالتنويع والتجديد في أساليب الحفظ والمراجعة، وجذب الشباب من خلال تفقيههم بفضل القرآن وحفظه، ولا مانع من التشجيع والمشاركة في المسابقات المحلية، وتنظيم الرحلات الجماعية وزيارة الأماكن المقدسة. الاعتراف بالمشكلة .. ويرى فضيلة الشيخ عبدالله بن إبراهيم العثمان، قاضي المحكمة العامة بمحافظة الدرب، ورئيس جمعية البر الخيرية بمحافظة الدرب حالياً، ورئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمحافظة سابقاً: إنّ مشكلة عزوف كثير من المراهقين والمراهقات عن الحلقات أمر مشهود وموجود، ومعروف لدى كل من باشر التعليم في هذه الحلقات، ولذلك علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية للأمر ونحددها ونحصرها ونضع طرق العلاج لها، وقبل كل ذلك الاعتراف بالأمر، لأنّ عدم الاعتراف به سيجعل المشكلة قائمة وتتفاقم مع مرور الوقت. ويقول العثمان: إنّ من مظاهر النعم علينا أن يسّر الله لنا دولة تحكِّم شرع الله، وتدعم بكافة الإمكانات جمعيات التحفيظ والمؤسسات الدينية ولدينا رجال حملوا همّ نشر هذا الدين وتعليم كتاب الله الكريم، وبذلوا في سبيل الله كل نفيس وغال، وليس أدل على ذلك من إيجاد مجلس أعلى للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم تشرف عليه وزارة بأكملها، هي وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، واحتساب رجال نحسبهم صدقوا مع ربهم، وساهموا في صنع جيل حفظة القرآن وجعله زاده، وما زالت هذه الجهود في ازدياد، رغم الفتن والإغراءات التي تمر بها الأمة، مما يؤكد وعد الله سبحانه وتعالى بحفظ هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم. ويرى الشيخ العثمان: أنّ إعادة المشكلة إلى بعض الأسباب المهمة التي قد تتعلق بالجانب الإشرافي أو الجانب التنفيذي، أو حتى الجانب الاجتماعي على حد سواء، لا يعني سلب تلك الجهات ما تقوم به من جهود ملموسة في هذا المضمار، بل إن معالجة هذه الأسباب أشبه ما تكون بالجانب التكميلي الذي يزيد البناء الشامخ رونقاً وجمالاً. وعن الأسباب الداعية إلى انقطاع الشباب المراهق عن الحلقات، يقول الشيخ العثمان: إنّنا ممكن أن نحدد هذه الأسباب في أربعة أسباب هي: أولاً: ضعف الإمكانات العلمية والتربوية والمادية لدى كثير من المؤسسات، المشرفة على هذه الحلقات وعلى رأسها كثير من الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بفروعها المختلفة، وذلك بالنظر إلى الرقعة الواسعة التي تشرف عليها هذه المؤسسات بتعدد أنواعها والعدد الهائل من الطلاب والطالبات الملتحقين بالحلقات والجمعيات، وهذا الضعف في الإمكانات سيولد مشكلات كثيرة، ولعل منها انقطاع المراهقين والمراهقات عن هذه الحلقات، وأرى أن هذا السبب - ضعف الإمكانات - أهم وأكبر الأسباب لهذه الظاهرة، ولذلك فانشغال الكوادر العلمية والتربوية مثلاً بسد العجز المادي لدى هذه المؤسسات، له الأثر الكبير في ضياع أوقاتهم التي يجب أن تُصرف إلى الطلاب والطالبات في الحلقات .. ولحل هذه المشكلة علينا أن نجد الحلول الممكنة لتوافر الإمكانات المادية، لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه، ولذلك لا بد من المسارعة إلى سد حاجة الحلقات سواء كانت مادية أو علمية أو تربوية، ويكون ذلك من قِبل المجلس الأعلى للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وايضاً علينا توفير الكوادر العلمية المدرَّبة القادرة على إيصال القرآن الكريم إلى الطلاب بطريقة مناسبة تحببه فيه لا تنفره منه، ولا بد من مشرف تربوي وآخر اجتماعي لدى كل مؤسسة تشرف على هذه الحلقات ليتم معالجة مشكلات الشباب المراهقين نفسياً واجتماعياً، وممكن الاستفادة من ريع الأوقاف والاتصال بالمؤسسات التربوية كالمدارس ومكاتب الإشراف التربوي وجهات الإشراف الاجتماعي للاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم في معالجة المشاكل التي تواجه الشباب المراهقين. ثانياً: الفجوة الكبيرة التي تعيشها بعض الحلقات مع الأسرة والمدرسة، مما يجعل دور المدرسة شبه منعدم في مساعدة الحلقات، والأحرى أن تكون الأُسرة وكذلك المدرسة من أبرز المشجعين للطلاب والطالبات على الالتزام بالحلقات. ثالثاً: إغفال الوسائل التعليمية الأخرى التي تعطي الطلاب حافزاً في الاستمرار على تعلم القرآن، ومن هذه الوسائل إدخال جانب المنافسة وإقامة المسابقات والجوائز المحققة لذلك، وما جائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز لحفظ القرآن الكريم إلا تفعيلٌ لهذه الوسيلة المهمة، كما أنّ من الوسائل النافعة إقامة الدورات المكثفة لحفظ القرآن الكريم وتشجيع الطالب على حفظ القرآن الكريم، وتبصيره بفضل حفظه والخيرية التي ينالها المتعلم للقرآن .. كل ذلك يزيد ارتباط الطالب بالحلقة، وهي الرابطة التي نجدها مفقودة في كثير من الحلقات التي تعاني من مشكلة عزوف المراهقين عن الحلقات. رابعاً: وجود الصوارف والمؤشرات التي تجعل المراهق والمراهقة يعزفون عن هذه الحلقات. ومن الصوارف قيام البعض بالتشكيك في فضل هذه الحلقات والسعي في تشويه سمعتها وإلباسها بما لم تلبسه، مما جعلت للمراهق مخرجاً مناسباً للانقطاع، وعلينا أن نرد على هذه الدعاوى والمزاعم الباطلة ونعلم أولادنا حب القرآن وفضله. ماذا بعد.. هذه هي المشكلة وهذه هي أبعادها كما طرحناها على القائمين على حلقات التحفيظ والمربين وأهل القرآن، وقد بيّنوا خطورة الظاهرة وأنّها موجودة، وحددوا العلاج وكيفية حل هذه المشكلة .. والسؤال: هل آن الأوان أن نضع هذه المشكلة موضع البحث والتنفيذ لوقاية شبابنا والحد من تفلُّتهم من حلقات التحفيظ؟! .. هذا هو السؤال؟!
|