* إعداد : محمد بن سليم اللحام* قال فضيلة الشيخ علي بن عبد الخالق القرني: إننا ونحن نعيش زمناً عصيباً ووقتاً دقيقاً وحرجاً يتعلق بمصير أمتنا، ينبغي أن نعلم أن النجاة في انقيادنا لكتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلقد كتب الله لهذه الأمة حين تحيد عن كتاب الله أن تتقلب في ثنايا الإهانات، وتتنقل من هزيمة إلى هزيمة. ودعا فضيلته إلى المصارحة والمكاشفة مع الذات وتلمس أسباب ما نحن فيه في سبيل العودة إلى الحق المبين، واستدل بقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(71) سورة التوبة. وأكد في محاضرته التي ألقاها تحت عنوان (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) على أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أسباب النجاة، ومن أسباب السقوط والهلاك: السكوت عن المنكرات، قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }(165) سورة الأعراف. ******* خصائص الأمة وأشار إلى أن من أعظم خصائص أمتنا أنها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر وأن علماءها يغضبون إذا انتهكت محارم الله، ودعاتها يشتاطون غيظاً وغضباً لانتهاك حدود الله، فهي المأمورة بقوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران. ويعني ذلك الأمر بأن تكون هناك طائفة تقف على حدود الله، ترعى المجتمع، تنظر لأحوال الأمة، لا تسمح للجريمة، غَضِبَ مَنْ غضب، ورضي من رضي وأن يكون منكم علماء ودعاة يقفون أمام الشرور والمنكرات، يؤدون رسالة الله ليرحمنا الله - عز وجل - {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(71) سورة التوبة. وتساءل متعجباً: ما نتيجة أن يقر الناس بالجريمة ويسكت على الفاحشة، ما نتيجة ترك الصلوات، وتعاطي المخدرات، وسماع الأغاني، والجري وراء الشهوات، والمجاهرة بكل هذه المنكرات؟!! ما نتيجة الرضا بكل هذه المنكرات؟ وما نتيجة السكوت على هذه المنكرات؟!! وأجاب: إن نتيجة ذلك ومعناه أنه سوف تختل الأمور، ويغضب الله وملائكته، ويتم نزع البركة لأننا سمعنا ورأينا، فما حركنا ساكناً. وتساءل متعجباً وإلا لماذا كنا خير أمة أخرجت للناس؟ وأجاب: كنا كذلك بأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر بالمعروف. واستدل بما جاء في الأثر (أن الله - جلا وعلا- أوحى إلى جبريل - عليه السلام أن اقلب مدينة كذا وكذا على من فيها. فقال: يا رب إن فيها عبدك فلاناً، لم يعصك طرفة عين، قال الله: فبه فابدأ، لأنه لم يتمعَّر وجهه فيَّ قط. غض الطرف وحذر فضيلته من بعض الدعوات لغض الطرف عن الجرائم، والمنكرات، وعدم تشخيصها، وتحذير الأمة منها، مستدلاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان فيه متكئاً فتربع، وجلس، قال: كلا والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهَوُنَّ عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم. (لا إله الله، نعوذ بالله من لعنة الله، وغضب الله)، (لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم)، (لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)، أترضون أن يعم الشر، فيؤخذ الصالح والطالح، وأن تنزل لعنة الله، وإذا تنزلت لا ترفع؟ الرضى بالمقت وعلق فضيلته بقوله: أترضون أن يمقتنا الله من فوق سماواته؟، أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ثم ذكر عدداً من المنكرات كالسحر والشعوذة وترك الصلوات وقطع الأرحام وغير ذلك من المنكرات التي تفشت في بعض المجتمعات وتساءل فضيلته: لِمَ لا يؤخذ على أيدي هؤلاء؟!! وقال فضيلته: هذا وقت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشيراً إلى أن الحاجة قائمة لإنقاذ الناس من الضلالة ومن النار وإلى الأخذ بحبل الله، وكلمة الحق في أي مكان، وبالنصيحة في الشارع، وبالقدوة الحسنة، وبالزيارات حيث قول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: مثل القائم في حدود الله - أي الذي يأمر وينهى- والواقع فيها، كمثل قوم استهموا في سفينة، فكان قوم أعلاها، وقوم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على الذين في أعلاها، فظنوا أنهم آذوهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في الجانب السفلي لما آذينا الذين فوقنا، ثم قال - عليه الصلاة والسلام: فإذا تركوهم هلكوا، وهلكوا جميعاً، وإذا أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً. وأضاف: وهذا مثل من يترك المفسدين، الذين يلعبون بالأعراض والمبادئ والقيم، ويقول: نفسي نفسي، يصلي ويخرس كالشيطان الأخرس، من بيته إلى المسجد، ويرى الأجيال والشباب تائهين، ضائعين، حائرين، ثم لا يقول لهم هذا هو الطريق لا لشيء إلا ليبقى وديعاً هادئ البال، مطمئناً مرتاحاً، من كلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يرى الجرائم ولا يتكلم بكلمة!!، أما - والله - لو أن أحدنا أمر بأمر بسيط، أو نهى عن منكر في اليوم الواحد بالتي هي أحسن، لصلح حالنا: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (11) سورة الرعد. شروط الأمر بعد ذلك تطرق فضيلته لشروط من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر مشيراً إلى أهمية أن يكون أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر خالصاً لله، لا يبتغي الأجر إلا من الله، لا ليقال أمر ونهى، فإن الله سوف يرد عليه مقاصده، ولا يجعل لدعوته أثراً ولا فائدة ولا نفعاً، وأن يكون ذا علم وبصيرة وحكمة: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل. وأن يكون عاملاً بما يقول، وأن تكون الدعوة بالتي هي أحسن مع التحبب إلى القلوب بشراء الأرواح. العسر واليسر وحث فضيلته في معرض حديثه على الصبر في خوض غمار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال: مروا بالمعروف ولا تخشوا إلا الله، لا خير فيكم إن لم تقولوا كلمة الحق، ولا خير فيمن لم يسمعها، ولا تظنوا أن الطريق مفروش بالورود لمن أمر ونهى، إنه طريق محمد - صلى الله عليه وسلم- أوذي فيه، ووضع سلا الجزور على ظهره، ووضع الشوك في طريقه وأدمي عقباه، وشج وجهه، وكسرت رباعيته، فما ضعف وما استكان وما هان، وما كان له ذلك وللدعاة من بعده، قدوة فيه - صلى الله عليه وسلم-. دعوة عامة واختتم فضيلته محاضرته بدعوة عامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع المستويات وقال: من كان عنده منكر فليخرجه وليتخلص منه قبل أن يندم فلا ينفعه ندم. ووجَّه حديثه للتجار فمن عنده مال فليسخره للقضاء على المنكرات، وليسخره لدعم المسلمين في كل مكان، فالميدان فسيح. وأضاف: يا من لا يستطيع عليك أن تأمر بالمعروف في بيتك، وأن تنهى عن المنكر. وشدد بقوله: اعلموا يا عباد الله أن دين الله ليس عليه خطر، ولا على رسالة الله خوف، الله تكفل بحفظ دينه من دونكم، لكننا نحن بدين الله نحفظ أنفسنا وأمتنا وجيلنا، نحن بحاجة إلى هذا الدين، فلنراجع أنفسنا، لا يزال الله يمهلنا، انهضوا، وعودوا، وتوبوا، ومُرُوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وبادروا إلى الخيرات لعلكم تنجون من عذاب الله القائل: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } (165) سورة الأعراف. ودعا فضيلته الوجهاء وأهل العلم بقوله: أنتم قدوة، اجتمعوا مع الشباب، وادعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في قراكم ليصلح الله لكم المجتمع، وليؤمنكم مما تخافون.. إن السنن الإلهية لا تجامل أحداً، بل تجري على كل من استحقها، ولو كان حراً قرشياً.
* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر |