مصادر الشعر

يجهد أصحابنا في الشعر العامي في وقت ازدهاره اليوم، في استقصاء مصادره وأغراضه وفنونه وأساليبه وأدواته وأقسامه ونظامه، وما آل إليه من نهايات، وما أصبح عليه من غايات ويحاولون في الروايات التوثيق والتثبت لها ومنها، وضبط الأبيات لقائلها، وحراسته من لصوص الشعر، وحمايته من الانتحال، والذب عنه من الغارة الذين يغيرون عليه، ويبحثون عن أي مصدر وأثل وأصل له، ويحاولون إحاطته بتقدير وإجلال وإكبار، لينشد في أمسية، أو يطبع في صحيفة، أو يغنى في حفلة، أو يمثل على المسرح.
وتختلف هذه المصادر، فمنها المخطوط، ومنها المطبوع، ومنها المحفوظ إما في الصدور وإما في الأجهزة، فجمعوا من كل مكان، ونظروا في كل مكان، واستقصوا كل مكان، إلا أني أخال وأظن أن هناك مكانا لم ينظروا فيه، ولم يلتفتوا إليه، بل لم يخطر ببالهم، ولم يعن لهم، حتى أصبح مصدرا مهما، ومنبعا عذبا يستقى منه الشعر.
أتعرف ما هو هذا المصدر؟؟
إنه الحائط!!
نعم.. الحائط، إن الحيطان صحائف عامية ملئت بالشعر والخواطر، والتواقيع والشعوريات، التي يمكن أن يدرس غرضا الفخر والغزل في الشعر العامي من خلالها.
نعم.. إن الجدران ستصبح مصدرا للشعر، وإن كانت هي الآن أداة للبعث واللهو، فإن الجيل القادم سيجعلها في رأس الهرم المصدري للعامية، وستكون شاهدا إن وضعوا لها نحوا، وأسلوبا إن وضعوا لها بلاغة، وفنا إن وضعوا لها أدبا، ومنهجا إن وضعوا لها نقدا، ومعجما إن وضعوا لها مجمعا.
نعم.. إن الجدران ستذكر في تاريخ الشعر العامي، وسيجعل الشعر الذي فيها تحت مسمى يتفق عليه النقاد فيما بعد!!
لا تقل لي إنك تنبهت إلى هذا المصدر قبلي، وإنه لفت انتباهك.. ولو كنت كذلك!!، فأنا أزعم أني أول من زعم ذلك، وإن كنت نظرت إلى جدران الشوارع والمرافق العامة، فأنا أؤكد لك أنك لم تنظر إلى جدران قاعات الدرس بأنواعها!!
فهبوا لجمعها قبل أن تندثر!!