Friday 3rd June,200511936العددالجمعة 26 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الثقافية"

مروج الحب!! مروج الحب!!
أحمد بن خالد العبد القادر

امتزاجها في قالب خصب الإحساس، وامتطاؤها ركب العشاق وغرقها في بحر الهائمين، كلها نوازع قد جمعت الأجساد في جسد، ووحدتها في نمط متسق من المشاعر وسليقة الوجدان الحب كلمة ساحرة أخاذة، وواحة غناء خلابة، يأبى من ملك قلباً إلا أن يخوض في شواطئها، ويمتنع مرهف الوجدان إلا أن يلامس جدرانها الملساء، هو بحر عرمرم ولجي متمم وحصره بين فتى وفتاة إجحاف له وإقصاء لحقيقته، هو حق للجميع يناله الجميع، هو نبت يشتعل نمواً ينبض بالحياة لا يتوقف، هي شرارة تلهب المشاعر لا تنطفئ أقرت به نواميسنا وقننته بحرفة وإتقان، ووضعت خطوط المحافظة على اتساقه، ونمقته على أسس من التوازن، وعندما هتك تلك الحجب انقلب نعيمه جحيماً، وباتت دروبه شوكاً يفجر الدماء.
وبعد أن كاد مقوداً إلى الفضيلة والتقاء الأرواح في مخدع الحياة الآمنة، بات فخاً تصطاد فيه القلوب الواهنة في أمره، وغررته الذئاب إلى مستنقع يذرون فيه أوساخهم، ويدارون فيه قبحهم وبعد أن كان روضة غناء بمروجه الفسيحة، صار سجناً مظلماً بقيوده المرهقة، وهو على عنت طرأ عليه يظل ملازماً لقلوبنا معانقاً لها، فلا حياة من دون حب، ولا اعتقاد يؤمن بذلك. الحب أكبر متهم ومظلوم ألصقت به الاتهامات، ووصم بما لا يستحق من أبشع الأوصاف وأقذعها، هو نبع ماء صاف، وهدف المعوجون إلى تعكيره وسار من ورائهم من غابت عنهم حقيقة الحب وتحول من بلبل يصدع بالغناء ويبعث السعادة في الأجواء، إلى غراب فظيع السواد قبيح الخلقة، بفضل نزوات جارفة عن توازنها، قد طفت عن انسيابها، ولطخت الحب بشهوانيتها المزعجة. وأسماه ما كان في غاية المولى تعالى، ونبض القلب لأجل مرضاته، أنداه ما اقترن مع حب فلان إن كان في رحاب الله تعالى، والحب الشرعي هو اللصيق بهذه الصفة، والسائر على ركبها دون افتراق والفهم كل الفهم في الرجوع إلى المعين الهادئ، الذي حاكى الحب فساور القلب وامتزج مع نياطه، العود إلى طرق الجلاء دون المواراة في دروب الخفاء وكادت لحظات الزمن أن تغيب تحت هرم من الأمواج العاتية، وكادت القلوب أن تفقد حسها ويتوقف نبضها بعد أن خالجها بخفية طارئ لا يحل إلا قليلاً، وعانقها بكل قوة واستمات في ضمه لها بكل جوارحه، ولم يكن يدرك أن قلبه قد أسر في قيد الحب وانضم إلى قافلة المعتقلين في سجون الأحبة، وصار قلبه ملكاً للآخرين رغم احتوائه بين ضلوع المسكين، وإن كان للزمن من توقف فإن الحب له من أفول، وهي أوهام لا يؤمن بها قلب ولا يعاصرها خاطر، فكل قلب وقد حاوره الحب وآمن به ولو كان عن حرمان وشقاء، وأجلّ الأقوال فيمن ألبس الحب ثوب الشقاء والعناء، فالحاء حرمان وحسرة والباء بلاء وآلام تعصر الفؤاد. ولو كان أهول عذاباً فهو للخاطر أجمل أياماً وأمتع زماناً، وانصرمت الأيام وهي تحكي عن قلوب انطوت في ركب العاشقين، وروت عن أفئدة تمزقت في سبيل الهائمين، فأسر وعذاب وموت يعانق الروح وقد اعتصر بقبضة الحب، مضت سير الآفلين وظلت الصفحات تشهد بقصص المحبين، وظلت ولا زالت تحكي رغم طول السنين، ويعقد اللسان عن سرد ما ضاق به ذرعاً.
وكاد الحب أن يرمي بصاحبه في مهالك لا يثبت بعدها، وتكاد معاناته لا تزال ملتهبة وهي في أبسط تأججها وأضأل مقاديرها، وتعلقت نتف من القلوب بشرنقة زائفة قادتها أهواء زائغة، فتشبثت بخيوط العنكبوت الواهنة، وانزلقت الأيدي من دقتها الملساء، وخفتت مع بريقها الصارخ براءة الأطفال وضحكاتهم المنسابة مع رقرقة جداول الماء المنحدرة. يكاد كل من وطئ الأرض أن يؤمن بالحب، ويكاد يجزم أنه غارق فيه، ويكاد ينصب نفسه للدفاع عمن لوث ثوبه النقي بدنس أسود بغيض، ويكاد أن ينبش أظافره في وجه كل من لطخ صفاء الحب في وحول الرذيلة، وأصبغها من مستنقع الرزايا المخجلة، وأمسك بقوة يديه حبلاً، ليرسم من خلاله منهج الحب السامي، وقد أضاع رونقها الظاهر، وجمالها الباهر، هي تلك قصة الحب الحقيقي، لا ما تزعمه الشهوانيات بإلصاق مسمى الحب عليها، فهو أسمى من الوقوع في هاوية لا قرار لها.
وبلسم الأفول، كل إنسان في سلم الحب صاعد، ولو استمات في إنكار ذلك من استمات. ولكم حبي.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved