يعتبر المؤرخ البريطاني أرلوند توينبي من أشهر العلماء والمفكرين المعاصرين، والذي عني بتاريخ الحضارات، وهو صاحب نظرية التحدي والاستجابة، ويعتبر كتابه (دراسة التاريخ) أشهر كتبه، وقد قضى في تأليفه حوالي أربعين سنة من سنة 1921م إلى سنة 1961م، ويعتبر هذا المؤرخ منصفاً للإسلام وللحضارة الإسلامية فهو يقول عن تسامح المسلمين: (ثمة حالة نابهة الذكر لهذا التسامح المنشود، يفرضها نبي على أتباعه وهو في موضعه الجليل.. فإن محمداً (صلى الله عليه وسلم) قد أمر أتباعه بالتسامح الديني تجاه اليهود والمسيحيين الذين خضعوا سياسياً للحكم الإسلامي، فقد قدم محمد بذلك لقاعدة التسامح تفسيراً قوامه أن أفراد هاتين الجماعتين الدينيتين غير المسلمتين، هم أهل كتاب كالمسلمين أنفسهم.. وليس أدل على روح التسامح التي بعثت بها الحياة في الإسلام منذ بدايته من أن المسلمين قد طبقوا مبدأ التسامح الديني على أتباع زرادشت الذين خضعوا للحكم الإسلامي وإن لم يقل بذلك الرسول الكريم نفسه). إذن فالرسول قد وضع قاعدة للتسامح في الإسلام طبقت بعد انتقاله إلى جوار ربه مع غير أهل الكتاب مثل المجوس في إيران.. أما (وول ديورانت) الأمريكي المعاصر مؤلف كتاب (قصة الحضارة) الذي يعتبر من أشهر الكتب التي أرخت للحضارات البشرية عبر تاريخها الطويل والمتشابك، والذي ترجمه إلى اللغة العربية (محمد بدران) ويقع في 22 مجلداً، فإنه يقول عن تسامح المسلمين: (على الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون أو بسبب هذه الخطة، اعتنق الدين الجديد معظم المسيحيين، وجميع الزرادشتيين والوثنيين إلا أعداد قليلة جداً منهم، وكثيرون من اليهود.. وحيث عجزت الهيلينية عن أن تثبت قواعدها بعد سيادة دامت ألف عام، وحيث تركت الجيوش الرومانية الإلهية الوطنية ولم تغلبها على أمرها، وفي البلاد التي نشأت فيها مذاهب مسيحية خارجة على مذهب الدولة البيزنطية الرسمي، فإن هذه الأقاليم كلها انتشرت فيها العقائد والعبادات الإسلامية، وآمن السكان بالدين الجديد وأخلصوا له، واستمسكوا بأصوله إخلاصاً واستمساكاً أنسياهم بعد وقت قصير آلهتهم القدامى، واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلاد الممتدة من الصين وحتى الأندلس، وتملك خيالاتهم وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث فيهم آمالاً تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها، وأوحى إليها العزة والأنفة).. فانتشار الإسلام لم يكن بالعنف ولا بالإكراه كما يدعي أعداء الإسلامية، وإنما تم بطوع واختيار وبسبب التسامح الذي كان ينتهجه المسلمون. وآمنوا بسبب ما وجدوه في الإسلام من آمال تخفف بؤس الحياة ومتابعها، والإسلام الذي استطاع انتشال الناس قديماً من البؤس والشقاء، وأوحى إليهم بالعزة والأنفة، ومنحهم الأمل قادر على أن يفعل الشيء نفسه مع الشعوب المعاصرة التي تعاني الخواء والفراغ الروحي، وتعاني من الجريمة والمخدرات والانتحار، والتفكك الاجتماعي والشذوذ، والتفاوت والعقد النفسية والاجتماعية. والمسلمون لا يحبون أن يفخروا بما ليس فيهم، ولا يحبون أن يقارنوا أنفسهم بالآخرين، حتى لا يجرحوا مشاعرهم، ولكن نورد هنا مقارنة بين المسلمين والمسيحيين مما قاله (ديورانت) الأمريكي المعاصر الذي ينتمي إلى الحضارة الغربية: (إن المسلمين - كما يلوح - كانوا رجالاً أكمل من المسيحيين، فقد كانوا أحفظ منهم للعهد، وأكثر منهم رحمة بالمغلوبين، وقلما ارتكبوا في تاريخهم من الوحشية ما ارتكبه المسيحيون عندما استولوا على بيت المقدس في عام 1099م) إن هذه الشاهدات تدحض ما يدعيه أعداء الإسلامية من أن الإسلام دين عنف وإرهاب، وهي شهادات من أناس منصفين ينتمون إلى الغرب ولديهم العلم والمعرفة بأوضاع وتاريخ المسلمين عبر القرون.
* رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية |