Friday 3rd June,200511936العددالجمعة 26 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

نوازعنوازع
أوروبا والاستفتاء الفرنسي
د.محمد بن عبدالرحمن البشر

أوروبا أرادت ان تسير في مسار تأمل ان ينتهي بها الى هدف الوحدة المبنية على تحقيق المصالح للشعب الأوروبي الذي عانى من الحروب الطاحنة عبر عمره المديد. لم تكن الوحدة شعاراً فقط، بل كانت هدفاً حقيقياً لا يقف عند مصلحة فرد بعينه ولا دولة بذاتها بل هي مصلحة عامة.
توحدت بعض القوانين الاقتصادية والاجتماعية، وخرجت الى السوق العالمي عملة جديدة اسمها اليورو كانت في بدايتها تساوي 1.18 مقابل الدولار ثم انحدرت حتى بلغت نحو 0.80 ثم ارتفعت حتى قاربت 1.38 واخذت في الانخفاض لأسباب فنية، وبقيت عند 1.26 للدولار. هذا التذبذب في قيمة اليورو كان لأسباب فنية بحتة وبعد الرفض الفرنسي والهولندي اخذت في الانخفاض الى نحو 1.22، لكن العملة الاوروبية ظلت رمزا مهما للوحدة الاقتصادية وعقبة في الطريق الى وحدة سياسية، بعد ان تم توحيد بعض المواقف السياسية وظهر التباين في مواقف اخرى مثل الموقف من الحرب في العراق.
أوروبا أرادت ان تنتقل الى مرحلة متقدمة من الوحدة فاختارت لجنة برئاسة الرئيس الفرنسي الأسبق ديستان ليضع أسس دستور جديد يكون ملائما لأوروبا المتباينة وقادراً على ردم تلك الفجوات والحد من ذلك التباين. وتم وضع الدستور واجتاز بامتياز التصويت عليه في بعض البرلمانات، كما اجتاز بامتياز الاستفتاءات في دول أخرى.
لقد كان للرئيس الفرنسي شيراك خيار عرض الدستور الأوروبي على البرلمان الفرنسي لاخذ الموافقة عليه، وهو ضامن النجاح في ذلك لكون الاغلبية البرلمانية تؤيد الدستور الجديد، لكنه ابى إلا ان يصعد الصعاب ويستفتي الشعب فيه، مع علمه المسبق ان الأمر غير مضمون، لكنه حبذ المضي في ذلك حتى يكون مدعوماً بقوة الدفع الشعبية لترشيح القيادة الفرنسية لأوروبا الجديدة الى جانب ألمانيا. وجاءت الأمور على غير ما يشتهي الرئيس وصوت الشعب بنسبة 55% بلا، وهو موقف لا يتفق مع رغبة الرئيس، ولا رغبة حزبه، كما أنه لا يتفق مع بعض وجهات النظر في الحزب الاشتراكي المنافس.
المزارعون الذين خافوا من منافسة أوروبا الشرقية لهم كان أغلبهم مع لا، وبعض المثقفين الذين خافوا على ذوبان الثقافة الفرنسية بين الثقافات الأوروبية رفعوا أصواتهم بلا.
أما الزخم الذي جعل (لا) تسود على (نعم) فكان الوضع الاقتصادي والأداء الحكومي لرئيس الوزراء رافان. فقد بلغت البطالة نحو 10% وهو رقم مزعج للكثير من المواطنين الباحثين عن العمل، كما ان فرنسا التي يتمتع شعبها بتسهيلات اجتماعية كبيرة، خاف البعض منهم على فقد هذه الميزة النسبية فأضافوا (لا) الى اللاءات الأخرى، واسرع الرئيس الفرنسي بعد خيبة الأمل الى تغيير رئيس الوزراء واستبدله بشخصية مرموقة ومعروفة على المستوى العالمي والمحلي لكونه تولى وزارة الخارجية ومن ثم وزارة الداخلية، املا ان يكون قادراً على دفع الأمور إلى الأمام. لكن كيف؟ والمشكلة عند البعض هي الدستور نفسه الذي سارع الكثير من الأوروبيين ومن بينهم رئيس الوزراء الاسباني بالتصريح باستحالة تعديله.
أما المناحي الاقتصادية فهي تحتاج الى الجهد والتخطيط والوقت، فعسى ان تحبل الأيام القادمة بما يدفع الأمور الى الأمام، وسيظل القطار الأوروبي يسير دون ان يعلم الى اين في ظل هذا الرفض لشؤون أغلبها محلية ليطال شؤوناً أعم واشمل. هولندا زادها الرفض الفرنسي رفضاً وقال الشعب كلمته بلا، حتى وان كان رأيا استشارياً غير ملزم غير أنه مؤشر على رغبة بعض الأوروبيين في إبطاء مسيرة القطار الأوروبي، ومع هذا فاعتقد انه سيصل الى هدفه ان عاجلاً او آجلاً.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved