عذراً يا حبيبتاه.. لن أرثيك كما يرثي الناس من فقدوا.. فلم توجد بعد هاتيك الكلمات التي تُجاري إحسانك.. كلها وقفت عاجزة محتارة أمام فيضان قلبك الكبير.. ليتهم أوجدوا في قواميسهم ما يصف بِرك وجُودك.. غاليتاه.. عندما غيَّبك الموت.. وددت لو أنَّ الكون كله توقف.. فلماذا يغدو الناس ويجيئون؟ ولماذا تسير في الشارع تلك العربات؟.. ولماذا تضحك تلك الطفلة هناك؟.. ألا يعلمون ماذا نقص من الكون اليوم.. عجباً يا أماه لأمر هذه الحياة.. نريد أن يتوقف عداد الوقت عند أحزاننا.. لو كان الألم رجلاً لدفنته.. ولا أراه يتسلل إلى جسدك الطاهر.. ولو كان لدائك يدان لقطعتهما قبل أن يؤذيك.. ولكنها حكمة الباري سبحانه.. أراد أن يمحصك ويطهرك ويمتحن صبرك.. وإني لأرجوه سبحانه أن تكوني من الصابرين الشاكرين الفائزين برضوانه وعلياء جنانه. حبيبتاه.. أتعلمين ما عزائي فيك.. أنك ذهبت ولم أعهد عليك أذية لمخلوق.. ذهبت والجميع يدعو لك.. ذهبت وقد أسرت قلوب الناس بطيبك وكرمك وعطفك.. أتراني أغدو مثلك!! آخر ما يلوح في خيالي هو ذاك المشهد.. عندما كنتِ على سرير أبيض، يماثل بياض قلبك الكبير، ويفوح منك العبق الزكي لدهن العود المحبب في شيلتك.. ودعواتك الحنون التي تغمر الجميع.. ووصاياك الغالية التي تكررينها على مسامعنا لئلا ننسى، أو نتخاذل في أداء حق الله، أو حق عباده. أماه.. وددت لو أن هناك ما يمحو كل الأحداث الحزينة، ويُبقي لنا فقط صورتك الباسمة وثغرك الضاحك، وأنت توجهيننا وتضحكين على هذا المقلب أو ذاك.. أماه.. لا أشعر أبداً برحيلك.. يلوح لي خاطر بهيج كل لحظة.. أنك سوف تفتحين الباب الآن.. وتلجين منه.. ونحضر القهوة والشاي.. ونحكي في كل شيء ولا شيء. ستظلين حية بذكرك إلى الأبد.. ودائماً سيكون القلب سكناك.. يا شمعة لا تذوي ويا سراجاً أبداً لن ينطفئ.. أماه.. ما زلت أردد دعوتك (اللهم اشف مرضى المسلمين.. اللهم اجعل ما أصابهم تكفيراً، أو رفعة في الدرجات.. اللهم اجمع لهم بين الأجر والعافية). أسأل الله الحليم المنان أن يغفر لوالدتي منيرة العيسى، وأن يمن عليها بالعتق من النيران، وأن يسكنها أعالي الجنان في جنة عرشها سقف الرحمن.
|