Wednesday 25th May,200511927العددالاربعاء 17 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

يارايارا
وهم قلة في مجتمعنا ولله الحمد
عبدالله بن بخيت

بحثت عنها في صفحة الجزيرة زمان فلم أصادفها أبداً. يبدو أنها اخترعت في فترة تالية، في فترة الطفرة أثناء التحولات الكبرى التي جرت في منتصف السبعينات الميلادية من القرن الماضي.
تعلمنا هذه العبارة أن الكاتب مهما بلغ في التماهي مع مراقبه لا يمكن أن يضطهد حساسيته النقدية بشكل كامل كون النقد فطرة إنسانية. لا بد أن يأتي اليوم الذي يتمرد فيه على روح الإذعان. فالقضية في حرية الكتابة تكمن في كمية المساحة المتاحة للنقد لأن الله تعالى لم يخلق الإذعان المطلق. ظهرت هذه العبارة لتمرر النقد الخجول والمتستر. قبلها كان كل شيء في الصحافة يدعو إلى المديح والإطراء كأن الصحافة خلقت لذلك. في ذهني كمية كبيرة من المدائح التي كانت تدور في تلك الفترة ومن كثرتها كانت الناس تتعامل معها وكأنها شيء بديهي. لا داعي أن أضرب أمثلة فما زال عدد من الكتاب الذين تربوا في زمن مفهوم المديح والإطراء يكتبون في الجرائد، بمتابعة بسيطة يستطيع القارئ أن ينتقي النماذج التي يحتاجها.
أتمنى ألا ينفرض هؤلاء قبل بداية المسرح الكوميدي في المملكة فهم يمثلون مادة رائعة لكتابة مسرحيات ساخرة. انقراضهم سيصيب الكوميديا في المملكة بضربة موجعة لسنا في حاجة إليها فلدينا من المشاكل ما يكفي ويزيد.
نشأت هذه العبارة لتزخرف المديح ولتحقق شيئاً من التوازن النفسي عند الكتاب؟ أنا من أشد المعجبين بهذه العبارة. ما زلت أراها عبارة جميلة وموحية. أتابع الكتاب الذين يستخدمونها حتى أن بعضهم ارتقى ليصبح من كتابي المميزين. كانوا في الحقيقة مدرسة علمتني كل ما يجب أن أتجنبه أثناء الكتابة. إذا أردت أن أكون كاتباً جيداً عليَّ أن أتأكد بأني لا أشبه أي من هؤلاء في شيء. يذكرونني دائماً بشاعر أصدر في أول الثمانينات ديوان شعر حداثي النزعة اتفقنا جميعاً أن هذا الديوان يجب أن يدرس في الجامعة. على الطالب إذا أراد أن يكون شاعراً أن يتجنب أي كلام يشبه ما جاء في هذا الديوان.
مع طول تأملي لهذه العبارة اكتشفت أن هذه العباراة لا تعمل وحدها. تتكامل مع عبارات أخرى كثيرة مثل: شبابنا واعٍ ورائع ولكن هناك شباباً ما زال لا يحس بالمسؤولية (وهم قلة في مجتمعنا ولله الحمد). قطع إشارات المرور عمل غير حضاري ولكن هناك مع الأسف من يقطع الإشارة (وهم قلة في مجتمعنا ولله الحمد) الخ. بدأت هذه العبارة تعالج قضايا صغيرة ومتناثرة ولكنها بعد فترة انتقلت إلى قضايا أكبر وأكثر حساسية مثل المخدرات وسرقة السيارات. بقياس هذا الانتقال يمكن أن نقول إن الصحافة المحلية انتقلت هي الأخرى إلى مرحلة أخرى. عاشت هذه المرحلة فترة قصيرة جداً إلى درجة أنني أحياناً أدمج المرحلتين في مرحلة واحدة. التغيرات المحلية والعالمية لم تمهلها حيث داهمتها المرحلة الثالثة قبل أن تسفر عما يميزها. كان الوقت قصيراً والمتغيرات كبيرة فجأة جاء ذلك اليوم الذي وطأت فيه هذه العبارة أم القضايا الوطنية وأقصد قضية العباءة النسائية. فتنكرت تماماً لوظيفتها الأساسية وراحت تلعب دوراً ثقافياً لا تكنيكياً. صارت إحدى الروافد التي تعتمد عليها كلمة خصوصيتنا. عندما تقرأ (إنهم قلة في مجتمعنا ولله الحمد) لا يتلفت خيالك إلى الخروج على القانون ولكن إلى الخروج على النواميس والروح الملائكية التي اتصف بها مجتمعنا طوال العقود الماضية التي أحكم فيها جماعات الصحوة قبضتهم الفولاذية على المجتمع. أكاد أتذكر الأيام الأولى التي بدأت تتحول فيه هذه العبارة إلى أداة ثقافية. كانت أياماً حاسمة شن فيها دعاة الصحوة هجوماً كاسحاً طال حتى كبار القوم من رموز المجتمع. فبدا للجميع أن الغلبة لا محالة لهم فسارع كتاب المدائح إلى تحويل مدائحهم واتجاه أصوات طبولهم للترحيب بهذا التيار الجديد الكاسح ولكن هذا التيار لا يحتاج إلى مدائح مزخرفة وإنما إلى إذعان كامل. عودة إلى مرحلة الإذعان الأولى ولكن هذه المرة تحت سلطة تفتيش تدقق حتى في أتفه العبارات ،وتحاكم بناء عليها فأجرى المداحون تكهيناً شاملاً لكل ما يملكونه من أدوات للانخراط في الزمن الجديد. كل الأدوات تم تجديدها وتعديلها إلا هذه العبارة استمرت كما هي. لم أتخيل أن هذه العبارة صالحة لكل زمان ومكان ولكن الأحداق برهنت على ذلك. يكفي أنها ناسبت فكر الصحوة الاجتثاثي كأنها مفصلة على مقاسه.
يواجه المداحون هذه الأيام أزمة حادة في انتظار ما تسفر عنه المعركة الدائرة بين فلول الصحوة وبين روح التقدم التي تلبست المجتمع كله. لا بد من إجراء تكهين جديد على العدد والأدوات. ما الذي سيحل بهذه العباراة هل تتلاشى مع تلاشي فكر الصحوة أما تتحرك إلى الإمام وتنتقل إلى وظيفة جديدة هذا ما سوف تنبؤنا به السنوات القليلة القادمة.

فاكس 4702164

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved