تنفق الحكومة سنوياً مليارات الريالات على توفير مجموعة من الخدمات، ومن ذلك إنفاقها على توفير خدمات التعليم والصحة والأمن والدفاع والقضاء والسلامة وغيرها. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نحكم على كفاءة الإنفاق الحكومي وقدرته على تحقيق الأهداف المرسومة بأقل تكلفة ممكنة أو الحصول على أكبر قدر من الخدمات وبمستوى جودة عالٍ يمكن تحقيقه بناءً على مستوى معين من الإنفاق الحكومي. والإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى التميز بين وسائل تحقيق الأهداف، والأهداف ذاتها، ومعايير قياس الأداء والإنجازات، ورسم الخطوط الفاصلة بكل دقة ووضوح، إذ كثيراً ما تختلط الأمور وتصبح الخطوط الدقيقة منطقة رمادية واسعة جداً تجعل الرؤية غير واضحة والقدرة على التفرقة شبه منعدمة. يظن كثيرون أن دراسات الجدوى قاصرة على المشروعات الخاصة الهادفة إلى تحقيق الربح. وحقيقة الأمر أنه ليس كذلك، فبرامج الإنفاق العام كلها تخضع لدراسات جدوى خاصة بها ما يتم بواسطتها الإنفاق العام والاستفادة منه بأقصى درجة ممكنه وتقليص الهدر الذي ربما ينشأ من حين لآخر. وتتضمن دراسات الجدوى هذه مع أشياء أخرى معايير لقياس حجم العائد والمكاسب المتحققة من الإنفاق الحكوومي وبالتالي قياس الأداء ويترتب على هذا أن تصاغ الأهداف أولاً بشكل واضح ثم تحدد الوسائل المعينة على الوصول إلى الهدف، وبعد ذلك تحدد المعايير التي بناء عليها يقيم أداء الحكومة في هذا الصدد، فإذا كان الهدف تخريج قدر معين من الطلاب في مرحلة معينة أو في تخصص معين، فإن الوسائل هي الكوادر البشرية والتجهيزات والمباني ومعايير تقييم الأداء ربما تكون من نوع مدى قدرة الخريج على الالتحاق بالتعليم العالي مثلاً أو الحصول على عمل مناسب ومستوى الدخل الذي يحققه، ومستوى إنتاجيته ، وطول المدة الزمنية التي يحتاجها للحصول على العمل المناسب واستقراره فيه إلى غير ذلك من المعايير. وإذا كان الهدف إيصال رسالة إعلامية أو توعوية معينة وإقناع الناس بها، فالوسائل تتنوع بين برامج إذاعية، وتلفزيونية، ونشرات صحفية، ومعايير قياس الأداء تختلف عن هذا فهي تشمل على سبيل المثال قياس أعداد المتابعين للبرامج ذات العلاقة، ومدى اقتناعهم بمحتواها ودرجة رضاهم عنها لأن ذلك مؤشر على مدى تقبلهم واقتناعهم بفحوى الخطاب الإعلامي ذاته. والأمثلة أكثر من أن تحصر، لكن المهم هو عدم الخلط بين الأمور بقصد أو بغير قصد، فعدد المدارس أو المدرسين أو المعامل، أو عدد ساعات البث ليست معايير لقياس الأداء، بل هي وسائل يستعان بها للوصول إلى الهدف المنشود. إن القدرة على تقييم الإنفاق الحكومي إحدى الركائز المهمة في التأكد من درجة كفاءة الحكومة في الاستفادة مما هو متاح لديها من موارد مالية وتوجيهها نحو الاستخدامات الأكثر إلحاحاً على نحو يوفر أفضل العوائد الممكنة، ولعل في هذا إجابة عن كثير من التساؤلات التقليدية التي تطرح على غرار تدني درجة الموائمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وتدني الإنجازات الرياضية خارجياً على الرغم من الإنفاق الحكومي الضخم على هذا القطاع، إضافة إلى ذلك فهو يساعد على تحديد مواطن الخلل بموضوعية وكيفية إصلاحه.
|