Wednesday 25th May,200511927العددالاربعاء 17 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

مركازمركاز
حسين علي حسين

العزوبية في بلادنا أصبحت لوناً من ألوان العذاب اليومي، وهي ليست جديدة، ولعلي أحسست بها للمرة الأولى عندما عينت في إحدى القرى في أوائل التسعينيات الهجرية، فقد استأجرت منزلاً قديماً بني من الطين ويأتيه سلك كهرباء بأجر شهري، لكنني لم أهنأ في ذلك المنزل، بل إنني لم أنم فيه ولا ليلة واحدة، فقد وضعت شنطتي صباحاً وذهبت لأباشر العمل، وما هي إلا ساعة ليأتي صاحب المنزل يملأه الخجل راجياً أن أرحل عن المنزل وقدم لي ما دفعته من المال في الحال وأخذ يرشدني إلى بعض الأماكن التي تقبل بالعزاب، وكل هذه الأماكن على الخط العام، لقد قال لي الرجل إن الجيران تناقلوا نبأ قدوم ساكن أعزب إلى البيت، كما يتناقل الناس أنباء الكوارث والأوبئة، وفوراً بدأ البحث عن صاحب الدار، ليلزموه بأن يدفع لي حقي وإذا لزم الأمر فإنهم على أتم الاستعداد ليدفعوا لي ضعف ما دفعت، المهم أن أرحل وعلى عجل!
والمؤسف أنني وجدت في المسكن الجديد سكاناً من الجن، جعلوني أخلي لهم الدار كل مساء، ليسرحوا ويمرحوا فيه (على كيفهم)، بعد أن عقدت اتفاقاً مع صاحب مقهى على طريق الحجاز، ليقبل بي زبوناً شاملاً، آكلاً وشارباً ونائماً، ولا يبقى لي في المنزل المسكون إلا الحمام والماء وتغيير الملابس، وقد سكنت ذلك البيت عاماً كاملاً، كنا فيه حبايب - أنا والجن - الذين لم يتعدّ دورهم قرقعة المواعين وإطفاء اللمبة الوحيدة، وقبل ذلك بعض الحركات الخفيفة عند النوم.. تغلبت عليها بالنزوح الاختياري إلى المقهى، فأنا حقيقة لا أخاف من الجن وإن كنت أموت.. خوفاً منهم!! ورغم مرور كل هذه السنوات إلا أن المشكلة أو العقدة من العزاب ما زالت قائمة، ونحن البلد الوحيد الذي يرفع لافتة للعائلات فقط في كل مكان، في الأسواق وحدائق الحيوان والمنازل، حتى المقاهي وهي الحصن الوحيد الذي بقي لهم للترويح عن أنفسهم، لا يسلمون فيها - أحياناً - ممن ينغص عليهم مجلسهم فيها فأين يذهبون؟
هناك عشرات الأماكن السرية، وكلها لا نرضاها لأبنائنا، لكنهم مجبرون عليها، خاصة أن بعض هذه الأماكن، يخرج منها الشاب وقد تغير خط سيره مائة بالمائة، من أمثلة هذه الأماكن الشقق الخاصة بالعزاب، هذه الشقق - إن وجدت - سوف تجدها مثل علبة السردين وهي قد تضم العديد من الأشخاص، ليس لأنهم من محدودي الدخل، ولكن لأنهم بالكاد عثروا عليها والشجعان الذين شيدوا عمائر تضم شققاً صغيرة ومخنوقة، فلا تهوية ولا ممرات واسعة ولا إنارة جيدة، هؤلاء ونظراً لقلة المعروض، يؤجرون الشقة التي لا تزيد مساحتها على 80 متراً بسعر الشقة التي تزيد مساحتها على 120 متراً والمخصصة للعوائل، لأن العائلة أولاً وأخيراً لها رب يحميها ولأن للشقة من يعتني بها وينظفها ويجعل الحركة فيها خفيفة ومريحة، خاصة أن أغلب الأسر السعودية التي تسكن الشقق، أسر للتو تبدأ حياتها العائلية، فالأطفال قليلون والطبخ والنفخ وغيرها من المزعجات قليلة، عكس العزاب المشاغبين، وهذه الأسر الصغيرة تتطير من أي أعزب يسكن بجوارها، لذلك فإن القلق يكون مضاعفاً لدى رب هذه الأسرة، إذا وجد شاباً أو رجلاً يسكن في عمارة مجاورة، وليس في نفس العمارة فقط، والعديد من هؤلاء الناس - في الغالب - يتركون العمارة لأصحابها، وهكذا فإن خروج أسرة بعد أسرة، شكل هذه الفوبيا من الشباب، ومع أن هناك عشرات الحلول التي يمكن اللجوء إليها لإسكان الشباب في شقق تتوافر فيها كل وسائل الرفاهية وبأسعار معقولة، لكن لا أحد يثق في الشاب أو العزوبي تحديداً، ليس لأنه فاسد أخلاقياً ولكن لأن هؤلاء الملاك يعانون من هؤلاء السكان، فإن دفعوا اليوم، فلن يدفعوا شيئاً في الغد! ومع أن هذه شكوى عامة من المتزوجين وغير المتزوجين، إلا أنها تظل في حاجة إلى حل باتر يعطي صاحب العقار الحق باقتحامه، إذا تأخر المستأجر عن الدفع، لستة أشهر، ويكون ذلك تحت علم ونظر إدارة الحقوق المدنية، بعد أن أصبح هناك من يتفنن في المماطلة، بل إن هناك العديد من ضعاف النفوس يسكنون سنوات وسنوات مجاناً، فإذا تم التضييق عليهم هنا لجأوا إلى عقار آخر وهكذا!
إننا في حاجة إلى مئات الوحدات السكنية في كل مدينة، خصوصاً في المدن، التي تضم جامعات ومعاهد، وحدات سكنية تقام على أحدث طراز، وتتوافر فيها الصالات والممرات وخدمات النظافة والصيانة، وأن تؤجر بالشهر، وليس بالعام، ويكون الدفع مقدماً، مع الحرص على أن تكون هذه الوحدات السكنية قريبة من الشوارع ومحلات الخدمات. لو نفذت مثل هذه الوحدات فإنها ستقدم خدمة تحتاج إليها كل مدينة في بلادنا، ويحتاج إليها كل شاب يضطر لحشر نفسه مع العديد من أقرانه، الذين قد لا يتفق معهم في الاهتمامات والسلوك والمواظبة على الدرس أو العمل. أما بقية مشاكل الشباب مثل رفع لافتة (للعائلات فقط) في الأسواق الكبيرة، والمطاعم الفاخرة، والحدائق، فيبدو أنها ستظل بدون حل، حتى المقاهي التي يرحلون إليها خارج المدينة، سوف يجدون فيها من يحثهم على تركها، لكن إلى أين؟.. الله وحده يعلم!
الفراغ لدى الشباب كبير، والهموم أكبر، والذي هو أكبر من كل شيء: أن لا حل لا اليوم ولا غداً.. ربما بعد غد.

فاكس 014533173

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved