قد يكون من المسلمات الاقتصادية الدور الكبير للقطاع الصناعي في رسم مستقبل اقتصادنا الوطني، وقد يكون من الأبجديات الاستفادة من وجهة نظر الصناعيين في رسم الإستراتيجية الوطنية للصناعة لكونهم أدرى بأسرار السوق المحلي والعالمي، وأحرى بتقديم الرؤية السليمة التي تمكنهم ليس فقط من مواجهة المنافسين الأجانب في السوق المحلية، ولكن أيضاً من اختراق الأسواق العالمية من خلال الصادرات الوطنية. هذه المسلمات وهذه الأبجديات ظلت - للأسف - محل نقاش كبير بين الصناعيين من جهة ومسؤولي الأجهزة الحكومية - خاصة البيروقراطيين منهم - من جهة أخرى حتى بدأ الإحباط يخيم على النظرة الاستثمارية لرجال الأعمال السعوديين وحتى صار البعض منهم يفكر جدياً في الاستفادة من عرض أحد المسؤولين الحكوميين الذي تبرع - جزاه الله خيراً - بمنحهم تذاكر السفر مجاناً. ًولعل أقصى درجات الإحباط تبرز عند قراءة تصريح أحد رجال الأعمال الذي أشار إلى قدرته على الحصول على إنشاء شركة في الخارج عن طريق الفاكس بينما تتطربق الدنيا على رأسه عندما يحاول تحقيق ذلك محلياً، مؤكداً أن التعقيدات الإدارية والإجرائية تسهم في تطفيش رجال الأعمال وتحد من قدرتهم على التوسع في الاستثمارات المحلية، فضلاً عن فشلها في استقطاب الأموال المهاجرة والأجنبية. هذه الحكاية الغربية عن البيروقراطية المحلية تكررت مرات عديدة على مسمع الجميع وفي جميع وسائل الإعلام المتاحة ومع ذلك مازلنا ننتظر الحل الجذري الذي يعطي لرجال الأعمال وزنهم الحقيقي كأهم الروافد لاقتصادنا الوطني ويعطي لهذا الاقتصاد الجاذبية المنشودة حتى تستمر عجلة التنمية ونخفف من الاعتماد المتزايد على النفط الخام كمصدر رئيس للدخل، وفي اعتقادي أن معالجة هذا الموضوع المهم تعتبر من أهم الأولويات الوطنية حتى لا نكرر الأخطاء ونخسر معها رجال الأعمال الذين يرغبون خدمة وطنهم مع عدم التفريط بمصالحهم الخاصة التي تعتبر المحافظة عليها إحدى سمات الرشد الاقتصادي، فالجميع يعلم بأن حرية حركة رؤوس الأموال عبر الحدود الدولية قد أصبحت من أهم خصائص الاقتصاد العالمي في وقتنا الحاضر وأن عدم المحافظة على رؤوس الأموال الوطنية يعني التفريط بها لصالح المنافس الإقليمي والعالمي، ويعني ضعف في القاعدة الإنتاجية الوطنية، وقلة في السلع المؤهلة للتصدير، وزيادة في الاعتماد على المستورد، وتناقص مستمر في الاحتياطي الحكومي من العملات الصعبة، هذا بالإضافة إلى قلة فرص العمل وزيادة في معدلات البطالة وارتفاع في معدلات الفقر وتدني في مستوى رفاهية المواطن. بعبارة أخرى يجب ألا نضع القرار الاقتصادي المهم الذي يتعلق بالاستثمارات الوطنية على طاولة النقاش مع بعض المسؤولين الذين لا يدركون حجم الخسارة الاقتصادية الوطنية المترتبة على التعقيدات الإدارية التي يفرضونها على مسار التعامل مع رجال الأعمال ولا مع بعض المسؤولين الذين يتخذون من سياسة الترهيب والتهديد عنواناً لعلاقتهم مع القطاع الخاص ولكن يجب أن نقدم لرجل الأعمال كل ممكن ما دام يحقق المصلحة العامة ويخدم أهدافنا الإستراتيجية التنموية. وهنا أدعو المسؤولين الحكوميين للجلوس مع رجال الأعمال الذين أثبتوا مع مرور الوقت صدقهم الوطني حتى نتعرف على المعوقات الهيكلية التي تعكر الجو الاستثماري الوطني وأدعوهم أيضاً للاستفادة من تجارب الدول المجاورة التي ترحب برجل الأعمال وتقدر دوره التنموي وتقدم له كل ممكن متاح فهل يتحقق ذلك؟ أشك والله أعلم.
|