أرجو ألا يتصور القارئ الكريم أن هذا المقال ينطلق من مبدأ التعصب لتخصص الكاتب - وإن كان التخصص يستحق ذلك - لكن الدافع لهذا المقال هو التجربة الشخصية التي يمر بها الكاتب في قسم التربية أثناء إشرافه - في التربية الميدانية - على بعض طلاب كلية اللغة العربية الذين يستعدون لدخول عالم التدريس، حيث تكون المفاجأة أن بعض - ومرة أخرى أقول بعض - هؤلاء الطلاب (مدرسي المستقبل) لا يحسنون تخصصهم بشكل جيد من أجل تقديمه للطلاب في مراحل التعليم العام، فالجانب المعرفي لدى بعضهم ضعيف وهزيل، بل أصدقكم القول إن بعضهم لا يفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع وهو المتخصص في اللغة العربية. وكنت دائماً في لقاءاتي مع بعضهم أحاول أن أعرف السبب الرئيس لالتحاق هؤلاء بكلية اللغة العربية وهم أبعد ما يكونون عن هذا التخصص. ومن خلال تلك اللقاءات أبان لي بعضهم أن الدافع ليس الرغبة في دراسة تخصصات اللغة العربية، بل هو الشعور بأن الحصول على بكالوريوس في اللغة العربية سيؤهلهم للحصول على وظيفة بشكل أسرع من غيره من التخصصات. ومرة أخرى يصدمنا سوق العمل ويجر علينا ويلات أرجو أن تنتهي قريباً. إن هؤلاء الطلبة (مدرسي المستقبل) هم الذين سيقومون بتعليم أبنائنا اللغة العربية بكافة فروعها، ومن ثم تكون النتيجة تخريج أجيال ضعيفة تؤهل أجيالاً ضعيفة وهكذا. وأرجو ألا يقف أحد مع هذا المقال ليناقش أسباب ضعف هؤلاء في اللغة، فهذه مسألة أخرى - وهي هامة بلا شك - تحتها مسائل كثيرة!!. وهنا - عزيزي القارئ - أعود إلى عنوان المقال لأدعو بوضوح وصراحة إلى أن يتعامل الراغبون في الالتحاق بأقسام اللغة العربية في جميع الجامعات السعودية معاملة طلاب كلية الطب من حيث شروط القبول وتنفيذ آليته. وربما يقول أحد كيف تساوي بين التخصصين؟ فإن الطب من أهم المهن وأشرفها، وشتان بينه وبين تخصص اللغة العربية، ولكني أقول يكفينا جميعاً أن طلاب أقسام اللغة العربية سيعلمون لغتنا العربية لغة الدين ووعاء الثقافة؛ وبناءً عليه فإن تدريس فروع اللغة ليس مسألة ثانوية يستطيع كل أحد أن يقوم بها، وبالتالي نستطيع السكوت عنها وعدم الاهتمام بها. إن الذي أعرفه عن نظام كلية الطب أن الطالب بعد قبوله المبدئي واجتياز دورة اللغة الإنجليزية في الفصل الأول، يدرس في الفصل الثاني من السنة الأولى عدداً من المواد المتنوعة في الإعداد العام، ولكي يتسنى له مواصلة الدراسة في كلية الطب واعتباره أحد طلابها، لابد أن حصل على معدل لا يقل عن 3.5 من 5؛ وبالتالي فإن الذين سيواصلون دراستهم في الكلية هم الذين يستحقون في الغالب!! وأما غيرهم - الذين حصلوا على معدل أقل من 3.5 - فعليهم التوجه وطرق باب كلية أخرى. ولتطبيق هذه الفكرة على الطلاب المتقدمين لأقسام اللغة العربية في جامعات المملكة، فإني أقترح أن تكون هناك اختبارات تحريرية في التعبير والإملاء وقواعد اللغة، ومن يجتاز هذه الاختبارات يحق له الالتحاق بالقسم بعيداً عن الواو!! ثم يدرس هؤلاء جميعاً عدداً من المقررات في فروع اللغة العربية لمدة فصل دراسي واحد، ويطلب منهم أن يحصلوا على معدل لا يقل عن 3.5 من 5؛ ومن يحصل على أقل من ذلك لا يحق له مواصلة الدراسة في أقسام اللغة العربية، وعليه التوجه إلى قسم آخر يتناسب مع استعداداته العلمية. ومثل هذه الأنظمة والإجراءات متبعة في كثير من جامعات الدول المتقدمة، فعلى سبيل المثال فإن بعض الجامعات الأمريكية تقوم بتطبيق هذا النظام، بحيث تطلب من الطالب أن يحصل على معدل محدد كي يحق له مواصلة دراسته في القسم، أو مع السلامة!!. أعرف سلفاً أن هناك من يقول إن هذا فيه قسوة على هؤلاء الطلاب الذين ينتظرون هم وأهلوهم طويلاً ويقدمون الشفاعات تلو الشفاعات ليتم قبولهم في أحد التخصصات الجامعية!! وأنت تنادي بتحويلهم إلى قسم آخر بعد فصل دراسي كامل!! لكن في ظني أنها أخف قسوة من تخريج معلمين للغتنا العربية يفتقدون كثيراً من الجانب المعرفي الهام في تخصصهم. إنها أيها القراء الكرام أخف قسوة من تعليم أبنائنا بشكل خاطئ، إنها أخف من أن يشير أحد طلاب المرحلة المتوسطة للاسم على أنه فعل أو العكس نتيجة ما يقدمه معلمه له، إنها أخف قسوة من ضياع جيل بل أجيال. إنها - أيها القارئ الكريم - إن تك قسوة فلأننا نحب لغتنا العربية، ثم إنها إن تك قسوة فلأن أماكن التعليم ليست دور رعاية اجتماعية تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية، بل هي أماكن للتعليم ولا يصلح للتعليم أي أحد. أيها الزملاء المسؤولون عن القبول في جامعات بلدنا الحبيب.. لابد من وضع آلية واضحة في قضية القبول في أقسام الكليات بما يتناسب مع ميول وإمكانيات الطلاب، وليس حسب النسبة فقط. ويا أيها الزملاء المسؤولون عن التربية والتعليم في بلادنا الحبيبة، يا من تحرصون على فلذات أكبادنا، لابد من اتخاذ خطوات عملية في سبيل تصحيح أوضاع من يتولى تعليم اللغة العربية، ووضع معايير وضوابط علمية ودقيقة تكشف بدقة الجانب المعرفي للمتقدمين لشغل وظائف تدريس اللغة العربية في مدارسنا، حتى وإن كانوا حاصلين على البكالوريوس!!. ثم رجاء آخر أن توقفوا عن عرض الدبلومات لتخريج معلمين للغة العربية من خريجي التخصصات المختلفة التي يصلح خريجوها لكل شيء إلا للتدريس، وربما يصلحون لتدريس أي تخصص إلا اللغة العربية، إن هذا يعد جناية بحق الأجيال القادمة من البنين والبنات. ألا يكفينا ما تعج به شوارعنا من مفردات أجنبية منتشرة على المحلات والأسواق تؤذي لغتنا وتضايقها على مر الأيام؟ ألا يكفينا ما يمارسه كثير من أبنائنا من التفاخر بالحديث باللغة الأجنبية؟ ألا يكفينا مزاحمة اللغة الأجنبية اللغة العربية في التعليم العام؟ ما بالنا نستهين بهذا الأمر في الوقت الذي تفاخر به الأمم قاطبة بلغتها وتراثها؟ ثم هل من عودة للحديث عن اللغة العربية، وباللغة العربية وتعليمها الأبناء والبنات بشكل صحيح؟!! وختاماً.. وهذا بيت القصيد متى تتعامل أقسام اللغة العربية مع المتقدمين كما تتعامل كليات الطب مع طلابها؟ عسى أن يكون قريباً. والله من وراء القصد.
د. فهد بن علي العليان أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية المساعد قسم التربية جامعة الإمام محمد بن سعود |