استؤنف منتدى عكاظ بجمعية الثقافة والفنون بالطائف مساء يوم الاثنين 9-3-1426هـ، وكان ضيف الأمسية الأولى د. عاطف بهجات أستاذ الأدب الحديث والنقد بكلية المعلمين بالطائف، الذي قدم قراءة نقدية لعدد من النصوص الابداعية للأدباء السعوديين الشبان في القصة والقصيدة. كانت أولى القراءات لقصة (دماء الفيروز) للأديب الشاب طلق المرزوقي، حيث أشار الناقد إلى أن القصة تناقش علاقة الرجل بالمرأة من خلال بُعد أسطوري، وأول ما يلفتنا في القصة عنوانها ذو الصياغة الساخنة التي تحتوي على اللونين الأحمر والأزرق، وكلاهما من الألوان الساخنة التي تصهر الصمت كما يصهر القمر ظلام الليل. ويوحي العنوان بموت القمر الساكن في السماء الفيروزية، وهذه النظرة للقمر نظرة رومانسية. والقصة تعكس التلاقح بين الأجناس الأدبية والفنية؛ لأنها جاءت على هيئة خمس لقطات مكبرة أو خمسة طقوس هي: ما قبل الطقس - طقس أول/ الظهور - طقس ثان/ التعاظم - طقس ثالث/ التناقص - طقس رابع/ الغياب. يتجلى البُعد الأسطوري للقصة في استلهام قصة شهر زاد في صورة تمزج بينها وبين أسطورة بيجماليون، وبذلك تعكس القصة التلاقي بين الأدبين الشرقي والغربي، من خلال صياغة حالمة وعبارة رشيقة. ولقد كان الأديب موفقا عندما تعانق السرد والحوار في قصته، مما أشاع حيوية وحركية تناسب ظهور شهر زاد ورقصها، وتتناسب مع المراوغة المتبادلة بينها وبين البطل، كما كان بارعا في التقاط التفاصيل الصغيرة التي تخدم الجو النفسي للقصة. ويأتي طقس الختام ليمثل لحظة الإفاقة ليكتشف البطل ان ما كان كان حلماً. وأشار الناقد الى أن هذه القصة يتجاور فيها المنطق والابداع من خلال ترتيب الطقوس الذي يخضع للمنطقية. ثم قدم د. بهجات قراءة نقدية لقصة (الرقشاء) للأديبة سارة الأزوري، فأشار الى أنها قصة تجسد المعنى الحقيقي للقصة القصيرة، وتعكس وعي كاتبتها بمفهوم الفن، وتشكل بداية القصة شحنة تجذبنا نحو النص لنعرف طبيعة مشاعر البطل. ولقد حافظت الكاتبة على خط متواصل للتشويق من خلال تنوع الأسلوب بين الاستفهام والخبر الذي تراوح بين الفعل والاسم، وكأن تنوع الجملة يعبر عن تنوع المشاعر. كما أشار د. بهجات إلى أن الكاتبة لديها حس اجتماعي من خلال ربطها بين نظرة الناس للإنسان وماركة سيارته، وكأنه لا فرق بين الانسان والسيارة، حيث تذوب ملامح الشخصية في ماركة السيارة. وأحسنت الكاتبة عندما استبطنت مشاعر الخوف داخل البطل وهو يتخيل تعرض أهله لمكروه أثناء تعطل السيارة، وأبرزت آثار هذا الخوف على شخصية البطل فيما اصابه من: قلق - تردد - وساوس - وغيرها.. فقد صورت لنا الصراع النفسي داخل شخصية البطل وما سيطر عليه من خوف ورعب لافتقاده الحل في تلك اللحظة. كانت القراءة الثالثة لقصيدة (هناك شيء ما لا أكتبه) للشاعرة جملاء العتيبي، حيث أشار د. بهجات إلى أن القصيدة تناقش علاقة الرجل بالمرأة من خلال ثلاث لحظات: - لحظة تذكر تربط فيها الشاعرة بين الرجل والهجر والعنف والنقص، كما تشير إلى أن الحب كامن في العروق مثل النار تحت الرماد. - لحظة توهم وفيها تتخيل الشاعرة أن الأيام كفيلة بأن تنسيها مَنْ تحب، ولكن هذا لا يحدث؛ لأن الذات الشاعرة لا تنفصل عمن تحب. - لحظة إفاقة عندما تصل الذات إلى مرحلة الاعتراف والرغبة في التواصل في قولها: قولي له غير آثارك باتت لا شيء تذكره وكانت آخر القراءات لقصيدة (مكمن الشمس) للشاعر حمدان الحارثي، حيث أشار د. بهجات إلى أن القصيدة تعكس حالة من حالات التشظي وانشطار الذات؛ فالقصيدة يتناوبها صوتان: - المتكلم، ويؤدي وظيفة تعبيرية. - المخاطب، ويؤدي وظيفة تأثيرية. والشاعر يلعب الدورين في وقت واحد: ينفّس عن ذاته، ويرغب في اثارة انتباه الآخر. كما نلمح الذات ( الشيخ ) التي تمارس الحكمة، والذات ( الراوي ) التي تحكي تجربتها. ولجأ الشاعر الى التناص لابراز أزمة الإنسان المعاصر، عندما وظف قصة أيوب في قوله: (خذ مغتسل بارد وشراب). فأيوب رمز للذات المعاصرة التي تأمل في مستقبل أفضل شرط أن تتطهر. ولا يقتصر التناص القرآني على قصة أيوب، ولكنه يمتد إلى توظيف أفعال ذات دلالات قرآنية مثل: اقرأ - رتل - اصدع. ويعكس النص قرب انتهائه رغبة الذات في الحلم خلاصا من متاعب الحياة، وأملا في واقع أفضل، وتأتي لحظة التنوير في ختام القصيدة لتبعث الأمل والتفاؤل، عندما تتمسك الذات بحظها في الحياة، وتتجاوز مرحلة خيبة الأمل: (خذ كتابك منك) وشد على الزند والزند و(اقرأ) فلن تحل أزمة الذات إلا بالذات التي يجب أن تفتش داخلها، وتلتمس القدرة على التأمل واستشراف المستقبل. وقد قدمت في هذه الجلسة نصوص أخرى لكل من: على محمد الأمين، ماجد الثبيتي، خالد الروقي، محمود بكري الجمال. وكانت المفاجأة نصاً للطالبة نادية سالم الفقيه بالصف الثالث المتوسط، أعجب بكتابتها الجمهور، وعلق الدكتور عاطف بهجات على سلامة النص لغوياً وقدرة الطالبة على الحديث عن المخبوء في الذهن حتى لحظة الكشف في النهاية، وقدرتها على ربط جمل النص دون الحاجة إلى حروف العطف.
|