بدا لي أن فكرة الإعلام الإسلامي، وتصحيح الرؤية المشوّشة.. بل المشوّهة لدى بعض العرب والمسلمين حول المذهب العقيدي السلفي في هذه البلاد - قد خامرت ذهن الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - فأنشأ مجلة باسم (راية الإسلام).. ولما لم يُكتب لها الذيوع والانتشار، والتفاعل الفكري في المجتمع المحلي، فضلاً عن المجتمع العربي الإسلامي.. توقّفت وأراد أن يستبدلها بأسلوب عصري متميِّز.. يُماثل ما هو قائم.. من حيث الصنعة المهنية، وتوافر عناصر النجاح.. بالانفتاح على آفاق الحياة المتواشجة الأطراف. * * * قدَّم طلباً إلى الملك فيصل - رحمه الله - لقيام مؤسسة صحفية إسلامية، اسمها (مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية) تصدر عنها صحيفة يومية (تصدر أسبوعياً - مؤقتاً -) باسم (الدعوة)، وصدرت موافقة الملك فيصل عام 1384هـ، وجمع الشيخ عدة أشخاص من العاملين في الحقل الدعوي، والأمراء، ورجال المال الذين شدُّوا أزْرها في بدايتها بتبرعات مجزية بلغت مئات الألوف من الريالات، وتشكَّل لها مجلس إدارة برئاسة الشيخ إبراهيم بن محمد، وزير العدل، سابقاً. * * * لم تقم هذه المؤسسة الصحفية المباركة لملء فراغ في عالم الصحافة الفكرية الإسلامية فحسب، ولا قامت لمناقضة الصحافة المحلية.. وما هو خارج حدودها.. وإنما كان ذلك تحقيقاً لرؤية متبصِّرة، وبصيرة ثاقبة لحشد التّضافر والتّكامل بين الأجناس الإعلامية.. لخدمة الدين، والمجتمع، والأمة.. بإرشاد الخلق لعبادة الإله الحق.. على قدر ما يصل إليه صوت هذه (الدعوة) من آفاق.. باسمها وجسمها.. أو بما يُترجم منها إلى عدد من لغات العالم الإسلامي.. كما سوف آتي على ذكر شيء من ذلك إن شاء الله تعالى. * * * أول خطوة عملها مجلس إدارة المؤسسة برئاسة المؤسس سماحة الشيخ محمد.. هي البحث عن شخصين يرأسان جانبيها الإداري، والتحريري، فوقع الاختيار لعمل الإدارة على الزميل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمنعم.. ووقع اختيار رئيس التحرير على كاتب هذه السطور.. وحيث إنني لم أحضر الاجتماع.. والشيخ محمد لا يدري عن موقفي.. هل أوافق على هذا الترشيح، أم لا؟.. فقد كلَّف فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى للاتصال بي، وعرْض الموضوع عليَّ، فقلت للشيخ صالح: دعني أفكر وأستخير لمدة دقائق.. فاتصل بي مرة أخرى، وأخبرته بموافقتي على هذا الترشيح إذا ما وافق وزير المعارف الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ - رحمه الله -. فأرسل الشيخ محمد خطاباً إلى الشيخ حسن يطلب منه الموافقة على إعارة خدماتي لمؤسسة الدعوة الصحفية.. فاستدعاني الشيخ الوزير إلى مكتبه، وتحدَّث معي عن الموضوع.. وحساسيته، وخطورة الهفوات، التي لا بد لكل عمل من وقوعها فيه.. وأن العيون والآذان والقلوب ستكون مركّزة على ما يُنشر في هذه الصحيفة.. إلخ فقلت له: أعرف هذا.. ولكني واثق بعون الله من إمكاناتي وقدراتي على جعل هذه الصحيفة محل تقدير الجميع، ومحبتهم لها، ومتابعتهم لموضوعاتها إذا أُتيحت لي حرية استقلالي بالرأي فيما أنشره، وما لا أنشره.. دون أن يفرض عليَّ أحد نشر ما لا أوافق على نشره، أو عكس ذلك. قَبِلتُ إعارة خدماتي من وزارة المعارف إلى مؤسسة الدعوة الصحفية لعدة أسباب.. منها: 1- أن أُصحح ما وقر في أذهان بعض المسؤولين في الدولة آنذاك من أنني من المناوئين لها، ومن الدعاة ضدها.. وهذا وهم لا أساس له في واقع الحال، ربما خلقه بعض الأعداء. 2- وأني لست (ناصرياً)، كما زعم أحدهم حين مات جمال عبد الناصر، قال لي في مجلس كبير وأمام الملأ: (حنا عارفين إنك نويصري، والحمد لله اللي خذلكم)..! قلت له: أنا عربي مسلم.. لا ناصري، ولا بعثي، ولا اشتراكي. 3- إن عملي رئيساً لتحرير الدعوة سيزيد راتبي الشهري. كنا نسهر ليالي السبت، والأحد، والإثنين في مكتبنا بالمطابع في شارع المرقب، من أجل إنجاز صدور صحيفة الدعوة صباح الإثنين من كل أسبوع. وكم صليت الفجر بوضوئي للعصر؟! وكانت تقع بيننا، وبين زملائنا في جريدة (الرياض) مشادات ومنازعات في مَنْ هو الأحق بطباعة صحيفته قبل الآخر؟، والغالب هو الذي ينجز صحيفته قبل الآخر.. إلا أن المشكلة تحدث إذا أنجزنا معاً، أو في وقت متقارب.. وعند ذلك يكون الحَكَمُ بيننا، مدير ومهندس المطابع عبدالرحمن الصميت - رحمه الله رحمة واسعة - أو عبدالله العمير - وفقه الله. * * * بدأت عملي في الدعوة بكتابة عشرات الخطابات للعلماء والشعراء والأدباء في المملكة، وفي العالم العربي استكتبهم للصحيفة التي سوف ترى النور في مطلع العام الجديد 1385هـ، وما هي إلا أسابيع قليلة حتى امتلأت أضابرنا بالبحوث، والدراسات المتنوعة.. الدينية، والأدبية، والاجتماعية، والاقتصادية.. فأحسسنا بالراحة النفسية أن يكون التجاوب على هذا المستوى الرفيع.. وكان ذلك مبعث فأل حسن بأن صحيفتنا التي نجهِّز إصدار عددها الأول، سوف تجد الغذاء النافع من أطباء التغذية الإنسانية ولن يخذلوها. * * * وصدر عددها الأول يوم 10 محرم 1385هـ بعناوين ملفتة لنظر القراء.. هي غير ما كانوا يتوقّعون أن تكون عليه صحيفة إسلامية.. أَلِفُوا في مثلها أن تكون رتيبة، وجامدة، وفقيرة الفكر، والعطاء. لقد وجد القراء في عددها الأول ما فتح شهيتهم لقراءتها، والتّطلع الأسبوعي لمتابعة خطواتها الواثقة، ومحسوبة التأثير والنتائج لرسالتها التي أُنشئت من أجلها. وكان أول ما فاجأ قراءها، أن عنوانها الرئيس - وهي الصحيفة الإسلامية - هو: (قرارات مؤتمر الأوبك تُعلن اليوم).. وجميع عناوين الصفحة الأولى سياسية. ومن أشهر وأبرز كُتَّاب عددها الأول الأسماء التالية: الشيخ محمد بن إبراهيم، الشيخ عبدالرزاق عفيفي، الشيخ مناع القطان، الشيخ عبدالله خياط، الشيخ عبدالله بن منيع، الشيخ علال الفاسي، الشيخ حمد الجاسر، الأستاذ عبدالله السعد، الأستاذ سعد الرويشد، الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام، الأستاذ سعد البواردي، الأستاذ عبدالله عمر الخياط، الدكتور زكي المحاسني، الأستاذ سعيد فياض، الأستاذ حسين السيد، الأستاذ أبو هشام، المدير العام، رئيس التحرير. للحديث صلة..
|