حاولت ريشة الرسام (هاجد) أن تلامس الشجن الذي يلقاه المراجعون لدى بعض الدوائر الحكومية، وأن يرصد تلك المسافة المعبّأة باللهاث والمحفوفة بالتوتر والضجر التي لابد أن يقطعها المراجع ليلاحق معاملته ويتابع أوراقه في مشهد سلبي يعكس استحواذ الروتين العتيق بنزعته الجامدة على بعض المواقع الإدارية المترهلة بآثار الركود. ولم تزل علامات الدهشة ورسوم الضجر تملأ ملامح هذا المراجع المغلوب على أمره وهو يرى معاملته وقد أصابها الدّوار وأنهكتها مسافات السفر بين المكاتب.. معاملة محملة بأعباء التنقل وبمعاناة الترحال.. ولا تسل عن أوراقه التي تغيرّت ملامحها من كثرة التوقيعات.. ومما يعمق مساحة الألم وجود نماذج من الموظفين لا يكادون يفقهون أبسط آداب التعامل وأساليب الحوار، فضلاً عن عدم إلمامهم بمبادئ العلاقات الإنسانية فهم يتعاملون مع المراجعين تعاملاً فوقياً متسماً بالجفاف والاستعلاء.. وبعضهم يتلذذ بمشهد الاستجداء من قبل المراجع.. آه من كل موظف جامد غير قابل للتطور.. يعبث بأعصاب المراجعين ويستخف بمشاعرهم ولا يعبأ بأوقاتهم.. آه من كل موظف متخاذل مسكون بالاسترخاء وعدم الاهتمام بقيم العمل ومقومات المسؤولية. آه من كل موظف مسافر في فضاء الخمول تحت ظلال تسيّب وظيفي يعرقل المصالح ويعطّل المعاملات في تلك الدائرة المنكوبة بمديرها الغائب عطاء.. وبخاصة مع وجود مدير يسكن في برجٍ عاجي.. يمارس نوعاً من الارستقراطية الانعزالية.. يحيط نفسه بأكثر من سكرتير!! نعم.. هناك ممارسات إدارية مجحفة لدى بعض مسؤولي الإدارات تجعلهم يبحرون خارج إطار العمل ويبنون بينهم وبين المراجعين جداراً سميكاً فضلاً عن بعدهم عن قراءة أداء موظفيهم ومتابعة عطائهم ومدى رضا المراجعين الذين لا يكادون يصلون إلى مدير الدائرة إلا بشق الأنفس وبعد سيل من الترتيبات والمواعيد العرقوبية لاقتناص لحظات مقابلة محملة بطقوس الضجر.. للحصول على (توقيعه) المبجّل. فأين ذلك المدير الذي يحترف عطاءً ويشتعل انتماءً مقدراً حجم الأمانة ومستشعر مسؤوليات العمل.. وقارئاً هموم المراجعين.. مفتشاً عن كل نقطة ضوء تسهم في النهوض بأداء الدائرة وتصحيح مسارات العمل ؟.. أين ذلك المدير الذي يعيش هموم المسؤولية ويزرع الحماس في نفوس موظفيه ويذيب كل العراقيل التي تواجه المراجعين أو تقيّد معاملاتهم في موقف يعكس مدى الإحساس بالمسؤولية ؟.. فكم من معاملة ذابت معالمها وتاه مسارها نتيجة إهمال موظف وعدم مبالاة آخر ؟.. كم من معاملة شقّت طريق السفر.. وطوّحت بها أنامل الروتين.. فاستغرقت أياماً وكان يمكن أن تنجز في دقائق ؟.. ما أسوأ تلك الممارسات البالية التي تأسر معاملات المواطنين وتبعثر حقيبة أفكارهم.. وتهدر جهدهم وتضيع وقتهم. إضاءات: - تحية عابقة لكل مسؤول يتدفق إحساساً وطنياً مختزلاً مسافات البذل والعطاء ناهضاً بأداء دائرته. - متى تذوب تلك الممارسات الإدارية التي تغتال قضايا المراجعين وتغربل مشاعرهم وتملأ ألسنتهم بالشكوى؟ - لو أن كل موظف قام بواجباته على أكمل وجه لما احتجنا إلى جيش من المعقّبين الذين يقومون بإنهاء المعاملات وتخليص الأوراق! - ما أروع لغة المسؤولية حينما تقدم قاموساً مضيئاً بمفردات العمل ومشرقاً بحروف الاحتفاء بكل ما يخدم المراجع. - أف.. لكل موظف يضغط على أعصاب المراجعين بانشغاله بمكالمة هاتفية مليئة بالثرثرة! - ليس بالضرورة أن يفتش المراجع عن (معرفة) أو (واسطة) داخل الدائرة لتمرير معاملته فهناك نماذج من الموظفين يشتعلون حماساً ولا يفرقّون بين المراجعين أو يحابون أقرباءهم ومعارفهم.. متى تختفي لغة الفزعة ؟ - بعض مديري الدوائر يغرق نفسه بمعاملات المراجعين تحت مظلة (مركزية حادة) إذ لا يمكن البتّ بمعاملة أو إنهاء قضية إلا بعد أن يباشرها ويدلي بحكمه فيها؛ مما يؤدي إلى تعطل معاملات المراجعين بعد أن همّش من حوله وتفرّد بالقرارّ. - من واجب كل دائرة حفظ جهد ووقت المراجعين ومراعاة مشاعرهم وعدم تعريضهم لمواقف الشكوى والتذمر. - التسيّب الوظيفي: دائرة مثقوبة مليئة بفراغات الاسترخاء والتواكل والتسرّب.. ومعبأة بتفاصيل الشجن.. الذي تنضح به ملامح المراجعين.
محمد بن عبد العزيز الموسى بريدة ص.ب 915 |