Thursday 5th May,200511907العددالخميس 26 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

الربعي معقباً على الشيخ الفوزان:الربعي معقباً على الشيخ الفوزان:
ما قلته كان في سياق الدفاع عن كتب الدعوة وتأكيد الثقة بها

سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
فقد اطلعت على ما كتبه معالي والدنا وشيخنا العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله - في جريدة (الجزيرة) العدد (11897) يوم الاثنين 16 - 3 - 1426هـ بعنوان (كتب أئمة الدعوة محل الثقة وإن لم تكن معصومة) تعقيباً على ما صرحت به لصحيفتكم الغراء يوم الأربعاء 11 - 3 - 1426هـ في عددها رقم (11897) حول كتب الدعوة ونفي العصمة عنها ولقد أحزنني أن يُفهم من تصريحي ذلك ما لم أقصده بحال.
وابتداء أود أن أدلي بما لفضيلة شيخنا - حفظه الله - من جهد مشهور مشكور في الدفاع عن السنة ومحاربة البدعة والدفاع عن أئمة السلف وتراثهم، فجزاه الله خيراً وبارك في علمه وعمره. ولقد سررت بلقاء معاليه وبيان مقصودي له من التصريح الآنف وإني أستأذنه - أجزل الله مثوبته - في بيان مرادي للقارئ الكريم من خلال التعليق على تعقيبه:
أولاً: جاء تعقيب فضيلته بعنوان (كتب أئمة الدعوة محل الثقة وإن لم تكن معصومة) وهو ما قد يُشعر بأن في نفيي العصمة عن كتب الدعوة دعوة إلى عدم الثقة بها وعدا أنه لا يلزم من تقرير عدم عصمتها القول بنزع الثقة منها فحاشا لله أن أقصد ذلك كيف وهي منارات علم: تدعو إلى التوحيد والسنة وتحذر من الشرك والبدعة ولم تزل القلوب - بحمد الله - مليئة بالثقة بها وكم شارك صاحب هذه الكتابة في حوارات ومناقشات لرد الشبه عنها والتدليل على براءتها مما ينسب إليه من باطل.
أما نفي العصمة عنها فإنه لم يأت منبتاً وإنما كان في سياقه حيث كنا في مناسبة الإعلان عن إطلاق الكتاب العالمي الحضاري الكبير الذي شرفت بكوني أحد المشاركين في إعداده وهو كتاب (السعوديون والإرهاب.. رؤى عالمية) ولأن من بين أهدافه بيان حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ودفع التهم عنها فقد أكدت أنها - أي الدعوة - تقرر الحق والعدل وتدعو إلى الوسطية وكي لا يُفهم أن في ذلك تعصباً بادعاء أن لها ما لا يكون إلا للكتاب والسنة من العصمة المطلقة، كان لا بد من الإشارة إلى أنها غير معصومة.
ثانياً: أن فضيلته خشي أن يكون فيما قلتُ ذريعة للتشكيك في كتب الدعوة وإذا كان لهذه الخشية ما يبررها لكثرة ما يصوب إلى الدعوة من اتهامات باطلة فإني أرجو أن يكون في كلامي تأكيد على الثقة بها وإعلاء لشأنها لأن هذه الكتب المباركة نجحت في بناء معرفة شرعية معتدلة وأنتجت وسطية ماثلة مع كونها غير معصومة فهو دليل على سدادها وتوفيق الله - عز وجل - لها.
ثالثاً: إن معاليه فهم أني أدعو إلى مراجعة كتب الدعوة وأنا لم أدع إلى ذلك وإنما ذكرت أن الأصل والمطرد والعام أن كتب الدعوة ذات منهج يقرر الحق ويستند إلى الدليل الصحيح من الكتاب وصحيح السنة، إلا أنه لا يمكن لأحد أن يدعي لأحد صواباً مطلقاً ودائماً إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما يبلغون عن ربهم تعالى، ومن ثم فإنه إن وجد خطأ عند أحد ممن ينتسب إلى الدعوة فإنه يخصه ولا يحرم الأصل في كون مؤلفاتها مستقيمة مع الدليل ولهذا قلت: (إن وجد خطأ فصاحبه هو من يتحمله ولا تتحمله الدعوة) لأن الأصل في الحكم على المناهج والكتب والأعيان الأخذ بالمطرد والعام دون الاستثناء والخاص.
وبعد فإذ أرجو أن يكون قد ظهر مرادي للقارئ الكريم فإني أؤكد على ما ذهب إليه معالي شيخنا - سدده الله - من أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من النعم التي من الله - تعالى - بها على بلادنا وعلى غيرها أيضاً لما لها من أثر كبير في تصحيح العقائد والارتباط بالدليل ونبذ الأهواء ومجافاة التقليد الذي لا يستند إلى دليل وبذا صارت من أهم دعوات التجديد في العالم الإسلامي يشهد بذلك كثيرون من سوى أهلها.
كما أؤكد ما ذهب إليه فضيلته من أن هذه الدعوة المباركة قد ابتليت بموجة متنامية من الاتهامات الظالمة بدءاً بالمصطلح الذي يطلق عليها لأهداف سيئة وهو مصطلح (الوهابية) إذ يريد المتربصون عزلنا دينياً بالإشعار بأننا مختصون بمعتقد طارئ على الدين ولا تنتهي الأهداف السيئة إلا بمحاولة تقويض المنهج الذي يميز الدعوة بقيامها على الاتباع وذلك باتهامها بإلغاء دور العقل ومحاربتها للاجتهاد قافزين على حقيقة أن الشيخ محمداً - رحمه الله - ليس إلا عالماً متبعاً تعاضد مع الإمام المصلح محمد بن سعود - رحمه الله - على تصحيح العقيدة ومحاربة الشرك والبدع وأن هذه الدعوة لم تكن يوماً مهملة للعقل، وإنما حررته من الخرافة التي غيبته وأدت فاعليته بإنزاله منزلته اللائقة به بالنظر إليه على أنه مناط التكليف وأحد الأدلة المعتبرة تبعاً لدليل الوحي، متخذة موقفاً وسطاً بين مدرستين: مدرسة تجعل العقل الدليل المحكم على بقية الأدلة ومدرسة تهمل دوره في المعرفة وتعتمد على الكشوف والفيوض والتجليات وإن كان فيها ما لا يُعقل كما قفزوا على أن الدعوة ترى في الاجتهاد باباً من أبواب السعة والرحمة على الأمة ولكن بشروطه المعتبرة المنضبطة المنسجمة مع الأصول والموافقة للأدلة، مع تأكيد عدم طرد الاجتهاد على ما لا يطرد فيه كمسائل الاعتقاد المبنية على التوقيف والتلقي.
ثم جاءت قضية الإرهاب ليزعم الزاعمون أن الدعوة تهيئ له بإشاعة ثقافة الكراهة والعنف وهذا - في الحقيقة - قفز آخر على الحقيقة فإن هذه الدعوة تستند إلى معايير شرعية تحرم الظلم والفساد والبغي، وتنهى أشد النهي عن خفر الذمم والاعتداء على الضرورات المعصومة وتجرم شق عصا الطاعة والخروج على الجماعة وهي تبين أحكام التعامل مع المسلمين وغير المسلمين وفقما جاء في الكتاب والسنة بالحق والعدل.
لقد صارت الدعوة - مع الأسف - غرضاً لفريقين متقابلين: فريق غال عمد إلى بعض مقولاتها فعزلها عن سباقاتها وبترها عما يجلبها من مناستها وظرفها وسببها ومتعلقها ووضعها في غير موضعها واحتج بها على غير ما هي له لتسويغ فكر منحرف أو تبرير سلوك فاسد وفريق مفرط عمد إلى المواضع ذاتها بالمنهج نفسه لاتهامها بما هي براء منه من التشدد والتسبب بالإفساد داعياً إلى تجاوزها! أحياناً يظهر ذلك جلياً ويبدو من لحن القول أحياناً.
وهنا لابد من جهد مضاعف لإجلاء الحق الذي قررته الدعوة خاصة في المسائل التي يتخذها المتربصون بها ذريعة للنيل منها لتنجلي الحقيقة في أنها دعوة وسطية سالمة من الغلو والتفريط وأنها لا تنطلق في تقريراتها من جهل أو هوى وإنما تتبع ضوابط وأصولاً شرعية هادية ولو وضعت رسائل أئمتها وفتاويهم في سياقها لاتضح صوابها واستقامتها مع الدليل الشرعي.
وبكل حال فإن الدعوة فيما تعرضت وتتعرض له من عداء ليست بدعاً من الدعوات الصالحة كما أن التهم التي وجهت وتوجه إليها ليست تهماً جديدة بل هي قديمة بدأت مع ظهورها المبارك وما زادها كل ذلك - بحمد الله تعالى - إلا قوة وصلابة وعزاً وانتشاراً لأنها مما ينفع الناس فمكثت في القلوب وترسخت في الوعي وأنجحت مقاصد شريعة جمة وأثمرت ثماراً يانعة من الحق والخير وأما الشبهات الداحضة عنها فقد ذهبت - كما ذهب أصحابها - جفاء.
أدلي مرة أخرى بشكر معالي شيخنا الشيخ صالح - بعد شكر الله تعالى - على حسن ظنه وكونه سبباً في هذا الايضاح والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سليمان بن عبدالعزيز الربعي
المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved