Thursday 5th May,200511907العددالخميس 26 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

لا تغضب !!لا تغضب !!
د. زيد بن محمد الرماني

حكى رجل عن حادثة وقعت له، تعرض فيها لصدمة في جانب سيارته، أدت إلى إنهاء رحلة كان يعتزم القيام بها. وبعد مشوار مضنٍ من الروتين في إدارات المرور وورش السمكرة خرج مديناً بمبلغ مالي محترم، ولم يكن هو المخطئ، وكان الضجر يستبد به ويشعر بالاستياء كلما استقل السيارة. وانتهى به الأمر ببيع السيارة. وظل هكذا كلما استرجع هذا الحادث ينتابه الغضب الشديد.. إن مما يعجب له المرء أنه وحسب دراسة عن الغضب وتأثيره في مرضى القلب بكلية طب جامعة ستانفورد، كان كل المرضى في هذه الدراسة مثل ذلك الرجل الغاضب يعانون من الإصابة بأزمة قلبية أول مرة، وكان السؤال هل كان للغضب تأثير مهم من أي نوع في وظيفة القلب؟!
وكانت النتيجة مدهشة: فعندما استرجعوا تذكر الأحداث التي فجرت غضبهم، هبطت كفاءة ضخ الدم من القلب بنسبة 5% وهبطت كمية الدم التي يضخها القلب في بعض المرضى إلى 7% أو أكثر. هذا المعدل يشير إلى أن نقص كمية الدم الواصلة لعضلة القلب، وهذا مستوى خطير في نقص تدفق الدم إلى القلب في رأي أخصائي أمراض القلب، ومما يلاحظ أنه لم يحدث هذا الهبوط في كفاءة ضخ الدم في حالة المشاعر المؤلمة الأخرى مثل: القلق أو الاجهاد الجسماني، ويبدو أن الغضب هو الانفعال الوحيد الذي يضر القلب. قال المرضى إنهم باسترجاع الحادث المزعج شعروا بالغضب بدرجة تصل إلى نصف حالة الغضب الشديد التي كانوا عليها في أثناء الواقعة الحقيقية.
كانت هذه النتيجة جزءاً من مجموعة أكبر من الشواهد التي ظهرت في عشرات البحوث تشير إلى قوة تأثير الغضب في تدمير القلب. لم تصمد الفكرة القديمة القائلة: إن نموذج الشخصية من المجموعة (أ) التي يرتفع ضغطها سريعاً معرضة بدرجة كبيرة لأمراض القلب. ومن هذه النظرة غير المؤكدة نشأت نتيجة جديدة هي: أن المشاعر العدائية تعرض الناس لخطر الأمراض.
لقد جاءت كثير من البيانات المتعلقة بالعداوة من بحث قام به الدكتور ودفورد وليامز بجامعة ديوك حيث وجد وليامز أن الأطباء الذين حصلوا على الدرجات في اختبار العداوة عندما كانوا طلبة في كلية الطب، كان احتمال وفاتهم في سن الخمسين يزيد سبع مرات عن زملائهم الذين حصلوا على درجات منخفضة في اختبار العداوة، اتضح أن ميلهم للغضب كان مؤشراً قوياً على وفاتهم في سن أصغر وليس نتيجة لعوامل الخطر الأخرى مثل: التدخين وارتفاع ضغط الدم، وزيادة الكوليسترول؛ فقد أبرز الباحثون في جامعة ييل أن الغضب وحده، قد لا يكون سبب ارتفاع معدل خطر الوفاة بأمراض القلب، إنما الانفعالية السلبية المكثفة من أي نوع كانت هي التي تؤدي إلى انبعاث هرمونات التوتر بانتظام في الجسم.
وعموماً، ترجع أقوى الروابط العملية بين الانفعالات وأمراض القلب إلى الغضب. وعلى سبيل المثال، عندما سئل أكثر من1500 رجل وامرأة تعرضوا لأزمات قلبية، عن حالتهم الانفعالية في الساعات التي سبقت الأزمة القلبية، وذلك في البحث الذي أجري في كلية طب جامعة هارفارد، تبين أن خطر السكتة القلبية قد تضاعف مع مزيد من الغضب مع مرض القلب بالفعل. واستمر تزايد الخطر لمدة ساعتين تقريباً بعد إثارة انفعال الغضب.
ومن ناحية أخرى، فإن هناك أخباراً مبشرة، لن يكون الغضب المزمن بإذن الله حكماً بالإعدام. والعداوة يمكن تغييرها. فقد سجلت مجموعة من مرضى الأزمة القلبية بجامعة ستانفورد في برنامج خصص لمساعدتهم في تخفيف المواقف التي تجعلهم سريعي الغضب، نتج عن تدريبهم السيطرة على انفعال الغضب انخفاض في معدل حدوث الأزمة القلبية الثابتة بنسبة 44% على من لم يحاولوا تغيير انفعالاتهم العاطفية، كما حقق البرنامج الذي وضعه وليامز نتائج مفيدة ومشابهة؛ حيث يعلم هذا البرنامج مثل برنامج ستانفورد عناصر الذكاء العاطفي الأساسية، وخاصة التنبه عند بداية إثارة الغضب، والقدرة على تنظيمه بمجرد بدايته والإحساس بالتعاطف.
ويطلب من المرضى تسجيل أفكارهم العدائية بسرعة، ومحاولة إيقافها إذا استمر معهم.. ويشجع هؤلاء المرضى عمداً باستبدال أفكارهم العدائية القاسية بأفكار معقولة من خلال المواقف التي تتم فيها التجربة.
ختاماً أقول وبكلمة مختصرة: حقاً إن التعاطف هو بلسم الغضب.

المستشار وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved