لا شك ان الوقف شرع تزكية للنفس والمال ولتحقيق التكافل بين أبناء الأمة الإسلامية ودعماً لأعمال الخير الكثيرة وهذه الأمة هي امة العطاء والتكافل من خلال موارد كثيرة ومنها الوقف الذي ساهم عبر عصور طويلة في الخير ومجالاته. والوقف في امة الاسلام قديم قدم ظهور الدين وبعثة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم فأول وقف ديني في الاسلام هو مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم مهاجراً إلى المدينة ثم المسجد النبوي الشريف. وأول وقف من المستغلات الخيرية عرف في الإسلام وقف النبي صلى الله عليه وسلم وهو سبعة حوائط - أي بساتين - بالمدينة كانت لرجل يهودي اسمه مخيريق وكان محباً للنبي صلى الله عليه وسلم وقاتل مع المسلمين في وقعة أحد وأوصى: إن قتلت فأموالي لمحمد، يعني النبي صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله تعالى، وقد قتل يوم أحد وهو على يهوديته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مخيريق خير يهود) وقبض النبي صلى الله عليه وسلم تلك الحوائط السبعة فتصدق بها - أي أوقفها. ثم تلاه وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والوقف نوع من أنواع الصدقات التي حث عليها الشارع على فعلها وندب للقيام بها وذلك بقصد التقرب من العبد لربه جل وعلا بالإنفاق في وجوه الخير ولا فرق في ذلك بين وقف على جهة من الجهات العامة كجمعيات تحفيظ القرآن أو بيوت الله أو مراكز الدعوة إلى الله أو طلبة العلم أو غير ذلك أو أن يكون الوقف على القرابة والذرية ولا شك أن الوقف كلما كان عاماً كان أفضل وأعظم أجراً من الوقف الخاص. والوقف هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته وتصرف منافق إلى البر تقرباً إلى الله تعالى. ولما للوقف من آثار عظيمة وديمومة في الأجر إن شاء الله حرص السلف من الصحابة وغيرهم على الوقف ولو بشيء يسير من أموالهم مع قلة ذات اليد عندهم لما عرفوا من أهميته وعظيم منزلته فوقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذكر في وقفه انه في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها ان يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول فيه.. وكذا فعل عثمان رضي الله عنه. وكذا فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولما نزل قول الله تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} كان لأبي طلحة حديقة نفيسة تسمى (بيرجاء) فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله حائطي الذي بمكان كذا وكذا لله تعالى ولو استطعت أن أسره ما أعلنته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعله في قرابتك. وهكذا تتابع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين بوقف بعض أموالهم في سبيل الله تعالى لا يبتغون بذلك الا رضاء الله تعالى والمقام لا يتسع لذكر أوقاف الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. ويعلم الجميع أن النصوص ثابتة في أهمية الوقف من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له. كما رواه مسلم في صحيحه وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أوقف في سبيل الله أرضاً له. ورغم ذلك الا أننا نرى جميعاً تراجعاً ملحوظاً للوقف والاهتمام به في عصورنا المتأخرة وذلك راجع لأسباب كثيرة منها قلة العلم لدى أهل الأموال وغيرهم بأهمية الوقف وعدم قيام الجهات المسؤولة عن الأوقاف بنشر الوقف وبيان فضله وكذا تقصير العلماء والخطباء والدعاة بواجبهم تجاه بيان أهمية الوقف وفائدته وعظيم أثره على الواقف في الدنيا والآخرة. والواجب على الجميع المساهمة في اعادة إحياء هذه السنة العظيمة ولذلك متطلبات من عدة جهات من أولها الجهات الحكومية: 1 - عليها القيام بتوعية الناس بأهمية الوقف كل بحسب اختصاصها فمثلاً وزارة الشؤون الإسلامية تبين للناس أهمية الوقف على أمور الدعوة إلى الله تعالى وتحث وتكاتب أهل الشأن بذلك والإفتاء مثلاً تبين أهمية الوقف على طباعة كتب أهل العلم وفتاويهم ووزارة الشؤون الاجتماعية تبين أهمية الوقف على الفقراء والأيتام وهكذا كل بحسب مجاله وتنشط في ذلك وتسعى بكل وسيلة متاحة مناسبة لبيان ذلك للناس. 2- الأمر الآخر وهو القيام بتوعية موظفيها بأهمية الوقف ويسهمون بذلك من خلال اقتطاع جزء يسير من رواتبهم لوقف كذا على سبيل المثال والعمل أول ما يبدأ صغيراً ثم يكبر. 3- كذلك أن يتم تفريغ مجموعة من الموظفين المناسبين للتعريف بالوقف لدى الجهات الأخرى ويجمعون التبرعات للوقف الفلاني وهكذا. 4- على الجهات العليا في الدولة إصدار تعميم يحث الجميع على الوقف والمساهمة فيه. أما دور العلماء والدعاة فدورهم كبير وينبغي أن يكون هناك تعاون بين الجميع تحقيقاً لقوله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} فجهود العلماء والدعاة إذا كان فردية فإنها لا تعمل شيئاً إلا يسيراً كما هو الحال ولكن ينبغي عليهم القيام بعدة أمور منها: 1- القيام بتأليف الكتب الصغيرة اليسيرة للتعريف بالوقف وفضله ويوسع على نطاق واسع. 2- إصدار محاضرات سمعية لهيئة كبار العلماء وغيرهم بيان أهمية الوقف وفضله. 3- إصدار مجموعة خطب مناسبة عن الوقف وآثاره وتوزع على الخطباء وأئمة الجوامع. 4- تخصيص نشاط مكثف عن الوقف عبر المحاضرات بالمساجد والإذاعات والتلفاز والوسائل الأخرى تبين الوقف وأهميته. 5- قيام العلماء والدعاة بزيارات شخصية لكبار التجار وأهل الثراء لحثهم على الأوقاف وبيان فضلها بشكل ودي وزيارة أخوية. 6- بيان الآثار الحميدة والطيبة للوقف وانه اجر لا ينقطع للإنسان ولو بعد موته. وختاماً ينبغي إيجاد حسابات بنكية خاصة للأوقاف تتولاها الجهات المعنية لمن أراد أن يتبرع للأوقاف ولو بمبلغ بسيط. أسأل الله للجميع التوفيق والسداد وأن يبارك في الجهود وينفع بالأسباب انه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الداعية بفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة القصيم |