مكة المكرمة أشهر مدن العالم الإسلامي، تهفو إليها قلوب المسلمين جميعاً من شتى بقاع الأرض. بها المقدسات الإسلامية: البيت الحرام والكعبة المشرفة ومنى ومزدلفة وعرفات خصها الله بالتكريم عبر مختلف العصور وأقسم بها في قوله تعالى: { لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} (1 - 3) وهي مسقط رأس الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه، بها نزل الوحي الأمين، ومنها انتشر نور الحق يبدد بدياجير الكفر في كل مكان يقصدها ملايين الحجاج كل عام، لأداء فريضة الحج، فضلا عن الزوار والمعتمرين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي وفي أرض مكة وبطاحها كان جهاد المسلمين الأوائل في مواجهة الشرك والضلال وعبادة الأصنام، وعلى أرضها كان تحقيق وعد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين يوم دخلوها في العام الثامن للهجرة ظافرين منتصرين. كان بناء البيت العامل الرئيس لقيام مكة، استجابة لدعوة ابراهيم - عليه السلام - لتصبح مكة المكرمة بلد البيت العتيق، وملتقى الناس أمنا وأمانا وسلاما واطمئنانا كما أصبحت أيضاً مدينة المسلمين المقدسة، والقطب الذي تدور حوله مقوماتها اللغوية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية: ففيها تلتقي الشعوب المسلمة في موسم الحج وغيره من المواسم ومنها انطلقت الرحلات التجارية الشهيرة: رحلتا الشتاء والصيف، قال تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} قريش(4). عرفت مكة بأكثر من خمسين اسما وكنية، منها أربعة عشر اسما وردت في القرآن الكريم منها: مكة، بكة، البلد الأمين، الحرم الآمن، البلد الآمن، أم القرى وغيرها من الأسماء. تقع مكة المكرمة في واد من أودية تخوم جبال السراة، تحفه الجبال الجرداء من كل جانب وهذا الوادي وصفه الله في القرآن الكريم {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} (ابراهيم: 37)، وهي تقع في الجهة الغربية من المملكة العربية السعودية وأهم سبل الوصول إليها من جهة الغرب مدينة جدة على بعد 75كم وهي بوابتها البحرية والجوية ومن الجنوب الشرقي تحيط بها مدينة الطائف فوق ربا جبال الحجاز على مبعدة 80 كم وكان موقعها في منتصف طريق القوافل بين اليمن والشام وإلى الشمال منها تقع المدينة المنورة، مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشواره، والمدينة الأولى في الإسلام التي يربطها بمكة طريق بري مزدوج، أما من حيث خطوط الطول والعرض فتقع مكة عند ملتقى دائرة عرض 22.2شمالاً مع خط الطول الشرقي، وبعد هذا الموقع من أكثر التكوينات الجيولوجية تعقيداً وترتفع مكة عن سطح البحر بأكثر من 300م. تبلغ المساحة المعمورة لمكة المكرمة 6500 هكتار وهي تنقسم إلى قطاعين متميزين بضم الأول منهما الحرم الشريف والمنطقة القديمة، التي يغلب عليها الطابع التقليدي بينما يشمل الثاني مناطق التنمية العمرانية الحديثة على الأطراف. انظر للتوسع مادة (مكة المكرمة) بالموسوعة العربية العالمية. فضائل مكة كانت مكة أحب البقاع إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)، قال الترمذي: هذا صحيح ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لولا الهجرة لسكنت مكة إني لم أرَ السماء قط أقرب إلى الأرض منها بمكة ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة، ولم أرَ القمر بمكان أحسن منه بمكة. ومن الفضائل التي اختص الله بها مكة اختيارها مولداً لرسوله المصطفى ومبعثاً له وجعلها مناسك لعباده، أوجب عليهم الإتيان إليها من كل فج عميق، ودخول الناس إليها خاشعين ضارعين كاشفي رؤوسهم، متجردين من لباس أهل الدنيا وكونها قبلة لأهل الأرض جميعاً، يتوجهون إليها في صلواتهم، ودخول محبتها قلوب المسلمين في شتى بقاع الأرض فيها الكعبة المشرفة وبئر زمزم ومقام ابراهيم، وحجر اسماعيل والصفا والمروة. انظر: الحج. البلد الحرام، من أعظم ما اختص الله به مكة من الفضائل أنه جعلها حرما آمناً، قال تعالى: { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} القصص: (57). فقد جعل الله لبيته حرما آمنا بحدود معلومة متوارثة من زمن ابراهيم عليه السلام، وهذا الحرم الآمن هو مكة، ذلك الموقع الذي حدده الله لخليله ابراهيم ليبني وسطه بيته المعظم، قال تعالى:{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }النمل: (91) وهذا الحرم الآمن لا يسفك فيه دم، ولا تعضد (تقطع) به شجرة، ولا ينفر له صيد، ولا يختلي خلاه، ولا تلتفت لقطته للتمليك بل للتعريف. حرصت قريش على إقرار الأمن وتوفيره في مكة بكاملها كأمر لازم لحرمة البيت نفسه، الذي جعله الله ملاذا للناس وأمنا، وجعلت هذا الأمن يشمل كل شيء، حتى الوحش والطير والنبات كما سنت الأشهر الحرام وهي: رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، لتمكين الناس من القدوم إلى مكة للحج والاتجار وكانت مكة أكبر أسواق العرب: عكاظ ومجنة وذي المجاز. يحرم اصطياد الصيد متى دخل الحاج حدود الحرم تحريماً قاطعاً لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}المائدة: (95). يبلغ عدد سكان مكة نحو850 ألف نسمة حسب تعداد عام 1991م وهي بذلك تعد ثالث المدن السعودية من حيث عدد السكان ويقدر عدد الأسر المعروفة بمكة بحوالي67947أسرة متوسط أفرادها خمسة أفراد بشكل غير السعوديين حوالي 27% من سكان مكة يدين سكان مكة جميعاً بالدين الإسلامي، فلا يدخلها غير مسلم منذ السنة التاسعة للهجرة حين نزلت الآية الشريفة، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة: (28). يتصف أهل مكة بالأخلاق الحميدة التي توارثوها عن سلفهم الصالح كما ورثوا فضلا عظيماً وهو سدنة الكعبة والبيت الحرام، منذ قصي بن كلاب وحتى الآن، اكتسب أهل مكة كثيراً من العلوم والمعارف واللغات والخيرات، نتيجة اختلاطهم بغيرهم من الأمم الأخرى، وأسهمت طبيعة المدينة المفتوحة بمكة في تنوع الأنشطة السكانية ما بين صناعة وتجارة وغيرها. الأزياء تنوعت أزياء أهل مكة فأصبحت خليطا من أزياء البلاد الإسلامية، فنراها تجمع الزي الهندي والمصري والشامي والتركي... إلى غير ذلك في العصر الحاضر ذابت هذه الأزياء جميعها أو كادت، وتوحد الزي في الجلباب الأبيض السعودي والغترة أو (الشماغ) والعقال السعودي. اللغة كان للأسواق الأدبية التي أقيمت في مكة قبل الإسلام أثر عظيم في إثراء لغة قريش (سكان مكة في ذلك العصر) وشيوعها، وعندما جاء القرآن الكريم بلهجة قريش، سادت لهجة أهل مكة غيرها من اللهجات، بما كفل لها القوة والتفوق الذي يبدو ماثلا بين دفات الكتب وآثار ثقافة العرب، كانت أسواق مكة أيضاً مجالاً للنشاط الاقتصادي والاجتماعي والكرى وتبادل الآراء، مما أضاف مادة خصبة للهجة أهل مكة، وعلى مر العصور أثر الاختلاط السكاني الذي ساد أهل مكة في لغة أهلها العربية، فكثر فيها الدخيل من الألفاظ الفارسية والتركية والهندسية. وفي العصر الحاضر ونتيجة للحركة التجارية المزدهرة التي تسود موسم الحج، يجيد الكثير من أهل مكة العديد من اللغات كالفارسية والأردية والهندية، بل وبعض اللغات الغربية نتيجة احتكاكهم المباشر بشعوب عديدة في موسم الحج. التعليم كانت ساحات الحرم المكي - في عصور سابقة - المدرسة الأولى للتعليم، جمعت العلماء وطلاب العلم من أهل مكة وسائر أبناء العالم الإسلامي كما اتخذ علماء مكة منازلهم أماكن لتدارس العلوم الدينية والشرعية والأدبية، قامت الدولة السعودية الثالثة بتنظيم هذا النوع من التدريس وأوضحت مفهومه وموضوعاته، فأصدرت نظاما للتدريس في 15 من ربيع الثاني سنة 1345هـ، الموافق 22 من اكتوبر سنة 1926م وشكلت لجنة علمية للإشراف على الدروس بالحرم المكي وفي عام 1385هـ 1966م تم إنشاء معهد الحرم المكي. أدت الكتاتيب دوراً فاعلاً في تحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية والمواد الشرعية والدينية، كما أسهمت في نشر العلم وتعليم القراءة والكتابة، خاصة بعد اختلاط العربي بغيرهم، وكان منهج هذه الكتاتيب يقوم على تحفيظ القرآن الكريم والإملاء والخط العربي والحساب وغيره. حظيت مكة باهتمام بالغ عند ظهور المدارس، لما لها من مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، ودور ملموس في إثراء الثقافة الإسلامية، وأولى المدارس التي أنشئت في مكة هي مدرسة ألارسو في عام 592هـ، 1195م، ثم توالى إنشاء المدارس عبر العصور الإسلامية المتعاقبة. أنشئت وزارة المعارف في رمضان عام 1344هـ، 1925م وكان ذلك بداية الانطلاقة العلمية الكبيرة، فتوالى إنشاء المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في عام 1358م، 1939م صدر قانون ينص على مجانية التعليم ويحدد مدة الدراسة، وتضاعف عدد الطلاب عاماً بعد عام في عام 1401هـ، 1980م أنشئت جامعة أم القرى، تلا ذلك إنشاء مراكز الأبحاث العلمية، وأسست أول مدرسة لتعليم البنات في مكة المكرمة 1362هـ، 1943م بلغ عدد مباني المدارس الحكومية 85 مبنى تضم ما يزيد على مائة مدرسة. تقام في مكة كل عام مسابقة حفظ القرآن الكريم العالمية التي تهدف إلى تشجيع الناشئة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، على حفظ القرآن الكريم وتجويده وترتيله وتدارس علومه ويرصد لهذه المسابقة العالمية العديد من الجوائز المالية الكبيرة.
|