تغرق إسرائيل في الخيال وهي تتصور وجوداً لها في وسط عربي يرنو إلى التعاون معها دون أن تشعر بأن عليها أن تحد من غلواء سياستها القمعية التوسعية الاستعمارية وهي تنكل بالفلسطينيين يومياً وتجرعهم من صنوف القمع والتعذيب، لكن إسرائيل حتى وهي تفعل ذلك ترى أنها يمكن أن تمد جسوراً بينها والدول المكلومة على مصير أشقائها القابعين تحت نير الاحتلال. في موريتانيا التي زارها قبل يومين تحدث وزير الخارجية الإسرائيلي ملء فيه عن الأمل في أن تشكل موريتانيا جسراً بين إسرائيل والعالم العربي، وهو هنا يحاول القفز على حقائق السياسة والجغرافيا من أجل تشكيل عالم جديد على هوى إسرائيل وأحلامها وتطلعاتها التي تتجنى على الواقع بالقدر الذي يحلو لها مثلما هو الحال في كامل الشأن الإسرئيلي الذي ينتزع الحقائق من سياقها العام والحقيقي لبناء وقائع جديدة وإن على قاعدة كاملة من الأكاذيب. فقد فشلت إسرائيل في تحقيق تطبيع كامل مع مصر المجاورة، وهي الموقع الأمثل لإقامة ما تتخيله من جسور، لكن أنَّى لها أن تفعل ذلك وهي تفتقر للقواعد المتينة لانطلاق مثل هذا الجسر من مصر. ومن ثم فقد تعين عليها أن تقفز بأحلامها عبر الحدود وصولاً إلى موريتانيا البعيدة لتقيم عليها رأس جسر نحو المنطقة. صحيح أن إسرائيل تقيم علاقات مع بعض الدول العربية وتحاول التسلل إلى أخرى وإن تحت أسنة الرماح مثلما هو الحال في العراق حيث تنشط المخابرات الإسرائيلية مستفيدةً من المظلة العسكرية الأمريكية من أجل أن تقيم قاعدة استخباراتية، كما أنها تكتفي ببعض المكاتب في دول عربية على أمل أن تتوسع إلى ما هو أكثر من ذلك، لكن في كل تلك المحاولات فإن إسرائيل تبقى مجرد متسللة تعمل في الظلام ولا تجرؤ على الظهور الكامل حتى في الدول العربية التي تقيم معها علاقات كاملة. أما الشعور الطاغي في العالم فيتمثل في رفض التطبيع مع إسرائيل، ففي موريتانيا التي تتطلع إسرائيل أن تكون لها جسراً مع العالم العربي فقد رأى شالوم بأم عينيه كيف أنه مرفوض حتى وهو يغدق على تلك البلاد الوعود بالمساعدات وهي الدولة التي تتطلع إلى التنمية والرفاهية والبناء. إن السياسات الاستفزازية الإسرائيلية التي تحاول الافتئات على حقوق العرب والتعالي عليهم في حين تمارس الدولة الصهيونية يومياً سرقتها لأراضي الفلسطينيين لن تكون هي السبيل الأمثل لمد الجسور مع العالم العربي، فالعرب رغم كل شيء يتطلعون إلى سلام حقيقي تنتفي معه كل هذه السلبيات وتغيب معه سياسات العصا الغليظة التي تحاول إخضاع الشعوب بالقوة وتسويق الأكاذيب والأباطيل.
|