والمتتَّبع لما يُنشرُ في المواقع الأدبيَّة الثَّقافيَّة في شبكة الإلكترون يُمكنه وبيسر أن يكتشفَ أنَّ الحركة الثَّقافية والأدبيَّة على حيوية متفوِّقة عنها في الصَّحافة المقروءة أو النَّوادي الأدبية وذلك لما تُتيحه هذه الوسيلة من: القدرةِ على ابتكارِ نمطٍ جديدٍ للكتابة الأدبيَّة يتوالد تتابعياً مع حركة الإصبع فوق لوحة مفاتيح البوْح والتَّفكير معاً فينُتجُ نمطاً لا ينتمي لأيِّ نمطٍ ممَّا تعاهد عليه قارئ الأدب، فيه من المزايا ما فيه من المثالب، ذلك لأنَّ الكتابة التي تأتي عفو الوقت، وتتحرَّك مع سرعة التَّفاعل معها لتكون بين عيني مبدعها دون إتاحة فرصة للمراجعة والتفكير والإعادة وتجديد الصيَّاغة والحذف والإضافة وتكون بأساليب فائقة الإبداع جميلة التَّراكيب مُوحيةً معبرةً، لهي نمطٌ خليقٌ بالتَّوقف عنده والدراسة له.. في الوقت الذي يمكن أن تعتريه مثالبُ الاستعجال أو قصور عدم التَّأني. ثمَّة مزايا أخرى لأدب المواقع الإلكترونية، إنَّه أدبٌ معبرٌ عن اللَّحظة يتوالد مع الحاجة ويُمثّل القضايا المُعاشة بالإحساس ذاته دون أن يتلبَّسه تغييرٌ أو يلَّونه تنميقٌ، وأدباء المواقع يتعرَّضون لوهج الإحساس بما يكتبون وبما يكون عليه إحساسُ الآخر المتفاعل معهم، وفي التَّبادل الفوري إثراءٌ للبوح ومحرِّكٌ للإنتاج ومؤثِّر في المبدع لذلك توالدت الأسماء، وكثُرت وعمَّت المواقع واكتظَّت بالنتائج، من هنا اختلط الجيَّد بالرَّديء، ولم يعرْ الدارسون أدباءَ (النت) بالاً ولم يقفوا على آثارهم وفي ذلك فجوةٌ كبيرةٌ بين الواقع وأبراجه التي لا تزال عاجيَّةً على الحالمين خارج هذه الشَّاشة الإلكترونية الدَّافعة المستقطِبة المنتِجة.. ولئن كنتُ قد خصَّصت هذه المقالات لإلقاء الضَّوء على أهميَّة أن يطرقَ الباحثون مجال الدراسة لأدب المواقع الإلكترونية، واتَّخذْتُ أنموذجين وبضعةَ أسماءٍ فإنني أعترفُ بأنَّ المجال رحبٌ وواسعٌ وما هذه السطور إلاَّ حزمة من ضوءِ اهتمامي، وقطرة من غيمة احتوائي، بهما أتجاوزُ أن أكون قد قصَّرت عن نماذج متفَّوقة وأسماء مبدعة سيكشفُ عنها الدَّرس ويُخرجها للنَّور التتبع حين يجدِّد الباحثون توجَّهاتهم ويدركون ما فاتهم من أمر الاهتمام والرِّعاية لواقع يفرض نفسه بما تُفرضه مستحدثات المرحلة وانعطافاتها حتَّى على مستوى الوسيلة التي غدت الفاعل في تغيير الأنماط الفكرية والتَّعبيرية وقوالبها وأساليبها بل لغتها، لغة فكرها ولغة حسِّها ولغة كتابتها مناط البوح بها.
|