في مثل هذا اليوم من عام 1967 تولى الجيش اليوناني زمام السلطة في اليونان. فقد سعت الدول الصغيرة - ذات القدرات المحدودة فى ظل الواقع المحيط بها المليء بالفوضوية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي-، إلى التعامل مع مشاكلها الأمنية من خلال تطوير استراتيجياتها استناداً إلى التوازن داخليا وخارجياً. وإذا كان من الطبيعي أن يكون تحرك الدول الصغيرة - ذات الحريات المحدودة والخيارات القليلة - أقل من مثيلاتها الكبرى في تقوية ودعم مصالحها الأمنية بصورة مؤثرة، فإن اليونان على العكس من ذلك، صعدت صوتها وسعت لتكامل سياساتها مع شركائها وحلفائها من بلدان الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الاطلنطي. ولابد من الإشارة هنا إلى أن المعضلة التاريخية بالنسبة لليونان ولصانعي القرار اليوناني تمثلت وتأرجحت منذ قديم الأزل فيما بين التحالف مع القوى المهيمنة في شرق البحر المتوسط أو القوى المهيمنة على شبه جزيرة البلقان. وفي أغلب الأحوال، كان اليونانيون يفضلون الخيار الأول أي التحالف مع القوى المهيمنة على البحر، وذلك نزولاً على مسئولية الدفاع عن ألفي (2000) جزيرة يونانية امتدت من بحر إيجة الشمالي وإلى البحر الادرياتيكي. وقد اتسمت فترة نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات في اليونان بخلاف واضح بين المحافظين والليبراليين اليونانيين حول القضايا الأمنية والانضمام لحلف شمال الأطلنطي، وكان خلافاً مؤثراً على التوجه السياسي لليونان. إلا أن كلا الفريقين تحركا في توجههما السياسي من منطلق أن التهديد الرئيسي للأمن اليوناني ينبثق من الحدود الشمالية المجاورة والشيوعية (سواء داخلية أو خارجية) التي تهدد القيم أو المكاسب القومية. أما عن حلف الناتو فكان ينظر إليه على أنه ملاذ لابد منه للدفاع عن اليونان، كما كان ينظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أنها الحليف الطبيعي والكفيل الطبيعي للأمن اليوناني. واعتمدت توجهات اليونان الدفاعية حتى منتصف الستينيات على عقيدة الولايات المتحدة، التي تؤكد على أن الهاجس الأمني يجب أن يتمحور حول الداخل وليس تجاه الخارج. ويذكر هنا أن القوات المسلحة اليونانية كانت مجهزة ومنظمة - على عكس القوات التركية - لمواجهة تهديدات الشيوعية النابعة من داخل اليونان. كما أن اليونان كانت تعد في ضوء مخططات حلف شمال الاطلنطي البلد الوحيد المتوقع أن يسبب بعض الإبطاء للقوات السوفيتية والقوات التابعة لها، وذلك في حالة نشوب حرب عالمية.
|