(في كامل قواي العقلية).. هذا التعبير الشائع الغريب، لم يكن ينطبق عليّ ذات يوم.. كانت رجلاي تقوداني إلى لا شيء داخل أروقة المدرسة.. عقلي يضرب في أودية الحيرة بلا هوادة.. أفكر في درجة الفيزياء السيئة باحثاً عن طريقة جديدة لإراقة ماء وجهي أمام المعلم.. مَنْ يدري.. قد يمنحني نصف درجة تنفعني في البرزخ الصغير.. اختبار الثانوية العامة.. بينما أنا كذلك وجدتني وجهاً لوجه أمام مرشد، مدرسنا العتيد.. صاح قائلاً فور رؤيتي: - وين رايح يا ولد؟ وعندما شاهد حيرتي.. ألقى سؤالاً مفاجئاً: - وش رايك في الأستاذ مناور؟ لأول مرة يسألني سؤالاً سهلاً! ولأني لا أعرف أن الأستاذ مرشد، قد خرج للتو من خلاف حاد مع الأستاذ مناور، فقد أجبت بثقة: - مدرس فاضل! احمر وجهه.. وارتفعت درجة حرارته، وظهرت عليه أعراض وباء التيفوئيد.. وصاح: - مدرس فاضل؟ لم أفهم فأجبت بثقة: - بالتأكيد!! ازدادت أعراض المرض! وزمجر قائلاً: - انقلع! كانت عبارته الأخيرة من العبارات التي تقال بكل أريحية في مدرستنا.. وعندما ابتلعتها.. ولم أجد شيئاً أفعله.. انقلعت!. * * في التالي من الأيام وقفت الدنيا في وجهي بصورة غريبة.. كل المدرسين يعاملونني بفوقية.. كل أساليب إراقة ماء الوجه لا تفلح.. كل الدرجات أصابها ما أصاب سعر البترول والين في يوم ما.. وبعد كل صدمة أتلقاها.. كان الأستاذ مرشد يظهر قائلاً بشماتة: - وش رايك في الأستاذ مناور؟ وفي يوم الحسم.. يوم النتائج.. كانت الحلقة الأخيرة.. كان اسمي في خانة الناجحين.. ولكن بمعدل لا يسمح لي إلا بالتمدد في غرفتي الدافئة.. منتظراً مصروفي كل صباح. كان الوغد الذي خلفي من الذكاء بحيث لم يترك لي فرصة أخرى.. وكما توقعت ظهر الأستاذ مرشد من خلف إحدى الزوايا.. ابتسم ابتسامة ساخرة وقال متشفياً: - وش رايك في الأستاذ مناور؟ فهمت أخيراً.. وكان أفضل شيء عليّ فعله هو أن.. أنقلع!!.
|