سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: تعقيباً على كلام الأخت هيفاء المنصور في الحوار الذي أجرته جريدة الجزيرة معها ونشر في عدد 7-3-1426هـ حول فيلمها (نساء بلا ظل) الذي يتناول حجاب المرأة، وجمعت فيه بين رأيين متقابلين للدكتور عائض القرني حول مسألة الحجاب، تقصد بذلك -على حد قولها- إبراز تغير نظرة المجتمع السعودي تجاه المرأة وحقوقها، معتبرة كشف وجه المرأة من حقوقها. أقول للأخت إذا كان رأي د. عائض القرني قد تغير في هذه المسألة، واباح كشف المرأة وجهها اجتهاداً منه، فإن نصوص الشرع لا تتغير، فهي ثابتة راسخة رسوخ الجبال الراسيات في قلوب الذين أوتوا العلم، ونصوص الشريعة دلّت دلالة صريحة على وجوب تغطية المرأة وجهها أمام الرجال الاجانب، وبذلك أفتى العلماء الأعلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وكنّ النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال.. وذلك أن المرأة كلها عورة)، وقال في موضع آخر (وأما وجهها ويداها وقدماها فهي إنما نهيت عن إبداء ذلك للأجانب، ولم تنه عن إبدائه للنساء ولا لذوي المحارم)، وقال سماحة الوالد العلامة ابن باز -رحمه الله- في مجموع فتاواه عند تعليقه على قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}، قال (فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، والحكم فيها عام في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين، فهذه الآية حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة)، وقال في موضع آخر (وأما ما يروى عن ابن عباس أنه فسر {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين، فهو محمول على حالة النساء قبل نزول آية الحجاب، ويدل على ذلك ما روي عنه أنه قال (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة). وقد نبَّه على ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم، وهو الحق الذي لا ريب فيه. وأما حديث عائشة (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم تصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا) وأشار إلى وجهه وكفيه، فهو حديث ضعيف الإسناد لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم). وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في رسالة الحجاب (إن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلّ على وجوبه الكتاب والسنة والاعتبار الصحيح والقياس المطرد)، ثم ساق الأدلة منها حديث عائشة أنها قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها، فإذا جاوزونا كشفناه)، وقصة عائشة مع صفوان بن المعطل في حادثة الإفك، حيث قالت: فاستيقظت باسترجاعه فلما رآني عرفني وكان يراني قبل الحجاب). ثم ختم كلامه -رحمه الله- بشيء من مفاسد كشف المرأة وجهها للرجال الأجانب منها: إفتتان الرجال بها لا سيما إذا كانت جميلة، وزوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها، واختلاط النساء بالرجال، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمته، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض. وبهذه النصوص والأقوال الشرعية يتضح للأخت هيفاء أن تغطية المرأة وجهها ليس تقليداً أو عادة تتغير نظرة المجتمع إليها بين الحين والآخر، وإنما هي عبادة وطاعة لله أمر الله به أمهات المؤمنين والنساء من بعدهن، فامتثلنه وتسابقن إليه، تقرباً إلى الله واحتساباً للأجر والمثوبة، والله سبحانه يقول: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)ويقول سبحانه: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)والله الموفق.
علي بن فهد أبابطين عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية ببريدة |