إن الآمال والطموحات والأمنيات التي ننتظرها لتحقيق مسيرة وأمانة العمل معلَّقة بأعناق كل المسؤولين أياً كانت مواقعهم الوظيفية.. وقد قال علماء الإدارة: (الفكرة ليست هي وحدها الشأن العظيم.. بل استثمارها هو الشأن الأعظم).. فمسؤولية تنفيذ الأفكار والرؤى والمقترحات لتحويلها إلى واقع ملموس تنسجم مع هدفين أساسيين من العملية الإدارية (الإشراف والمتابعة).. ويبقى ذلك أمراً حتمياً على جميع الموظفين (في مختلف مستوياتهم وفئاتهم الوظيفية) لتطبيق هذين العنصرين من العملية الإدارية شريطة أن يجعلوا أنفسهم بأعمالهم لصالح الوظيفة وليس العكس حتى وإن كانوا يتساوون في الأجر (المجدّ وغير المجدّ). وحديثي هنا لكيلا نذهب بعيداً عن التفسيرات الخاطئة هو حديث بكل أدب بعيداً عن الغضب.. فأنا كغيري من الموظفين الحكوميين أطالب بتطبيق منهج علمي صحيح مستند إلى تصحيح مسار أي خروج عما خُطِّط له ونبتعد (قدر الإمكان) عن الخلخلة في تروس العملية الإدارية أو المبالغة في التخوف من المجهول وننظر بمنظار رؤية صادقة نحو التطوير.. فالإشراف والمتابعة ببُعدهما الاستراتيجي لا بدَّ أن يكونا في الاتجاه الصحيح. ما سبق الإشارة إليه هو مدخل (باختصار) للخوض في موضوع تدوير عمل الموظفين كظاهرة حضارية في علم الإدارة الحديثة.. وأنا هنا لأقدم منهجاً مفصلاً لعلمي ويقيني أن خبراء الإدارة قد وضعوا قواعد ومرتكزات برؤى فاحصة.. (وبكل أدب بدون غضب) أقول: بعض الطرق والأساليب التي احتوتها أنظمة الخدمة المدنية - وللأسف الشديد - في وقتنا الحاضر غير مهيأة لتقبل أي تغيير يحتم التحول إلى الأصلح حتى ولو كان عن حسن نية.. (ومنها مثلاً: ألا يعمل الموظف في غير مقر الوظيفة.. ولا يوجد في النظام مرونة لذلك).. فأي تغيير لا يوجد له نص في أنظمة الخدمة المدنية يعتبر مغالاة.. (في نظر أنظمة الخدمة المدنية).. والمغالاة هي أشد الأخطاء حتى ولو كانت بقصد حسن نية.. ويعتبر ذلك أيضاً (في نظر أنظمة الخدمة المدنية) إفراطاً، والإفراط في الشيء كالتفريط فيه.. ولا يعني ذلك أنني أقصد أن نترك الأحسن لكي نرضى بما نحن عليه.. ونقول كما ألفنا.. (الله لا يغير علينا).. فقد يكون الأحسن هو الهدف الذي يجب أن نضعه.. لكن يجب ألا يكون التغيير لأجل التغيير فقط أو لأجل انفعالاتنا (الوقتية).. أو تكديس موظفين في إدارة أو شعبة أو قسم أو وحدة على اعتبار ذلك بمثابة التخلص من الموظفين غير المرغوب فيهم.. (بشكل دائم أو مؤقت).. وهذه الطامة الكبرى، ويجب أن نعترف بوجود مثل هذا الإجراء وألا نكابر وجوده بصورة أو بأخرى لكي نصحح هذا المسار الخاطئ. أما حديثنا عن التغيير أو التدوير فيجب أن يكون مصدرهما رسالة نستند فيها إلى الوعي والمبادئ؛ لأن ذلك سيقودنا إلى الأحسن، فبدون الرؤية الواقعية يصعب على الموظفين تقبل هذا التغيير.. فإن أردنا تحقيق الهدف الحسن فعلينا أن ندرك ما يلي: أولاً: تهيئة الأذهان (إعلامياً) وتطويعها بأن مبدأ التغيير والتدوير هو البحث عن الأحسن وتبادل الخبرات بين الإدارات والشعب والأقسام والوحدات. ثانياً: ترسيخ مفهوم التدوير بين الموظفين بأنه هدف للولاء العام وليس الولاء الجزئي.. بمعنى أن الجميع في هذه أو تلك الإدارة هم فريق عمل واحد مع الإدارات الأخرى. ثالثاً: إحسان الظن بالموظفين وألا نتهمهم بأنهم كسالى غير منتجين دون أن نبحث عن الأسباب. رابعاً: اختيار الموظفين الذين سيشملهم التدوير وأنهم أولئك الذين يشعرون بأن لهم قدرة أكثر على العطاء مما هم عليه، خاصة إذا كانوا يشعرون بأن هناك فجوة بينهم وبين رؤسائهم في خريطة العلاقات الإنسانية. خامساً: محاولة إبعاد الريبة والعداء والأنانية عن الموظفين؛ لكيلا ينعدم الحس الوطني وبالتالي يضعف الولاء العام.. وهذا يتطلب مديراً له القدرة على احتواء مشكلات العمل والمواقف الشخصية بين الموظفين وتأمين التفاعل معهم وترسيخ مفهوم العمل الجماعي لديهم. سادساً: يتطلب أن يكون المدير الذي يقع في أعلى هرم إدارته بمنأى عن صغائر الأمور؛ لكيلا يقع في متاهات المركزية وتظهر بين الموظفين تيارات مضادة بما يعرف (الشللية)، وهو من أخطر التيارات المضادة التي تبطل مفعول أي قرار. سابعاً: الثقة بين الرئيس والمرؤوس هي رصيد حساب الكرامة، والثقة بالغير تصبح الحكمة في بناء هذا الرصيد. (وبكل أدب بعيداً عن الغضب) أقول كما قال مَن سبقني بأن القدرة على وضع الأهداف الواقعية هي التي تساعدنا على تحقيق الأمن والنمو في حياتنا، ولكن علينا أن ندرك أن إدراك الذات ومحاسبتها تجعلنا نبدأ من الوضع الصحيح حيث نحن (وبلا أعذار).. المهم أن نبدأ في ذلك (وألا نكون نظريين فقط).. ونتلمس كيفية مساعدتنا على وضع أهداف حقيقية وواقعية.. فمعظم إحباطاتنا في الحياة تأتي من خيبة الأمل من عدم تحقيق التوقعات.. فكل موظف له القدرة على وضع الأهداف الواقعية التي تساعده على النمو والتنمية.. خاصة الفكرية منها.. ولكنه يحتاج الشيء الكثير من واقع ومنطق الثقة.. ويمكننا كموظفين إشرافيين أو تنفيذيين جمع المعلومات عن الآراء لكي يتم دفعها إلى تحقيق مستويات أفضل.. لكن يجب ألا نكون متواضعين إلى درجة اعترافنا بوجود غوامض أو نظم معطلة لأعمالنا ونقف عند هذا الحد.. فمن مسلمات علم الإدارة لتقييم العمل هو ما قيل من أن الحكمة أن ندرك أن ما يقوله الآخرون عن أدائنا لأنه فرصة للتعرف على تطلعاتنا للمبادئ والأهداف المحددة.. وهذا بلا شك في النهاية يحكم سلوكنا.. فإذا ما غابت الرؤية نفشل في تحقيق الأهداف وبذلك لا نتصرف كما يجب. والخلاصة هي أن تطبيق مبدأ التدوير بشمولية دون التعرف وبدقة على سلوكيات الرؤساء والمرؤوسين من كافة النواحي من خلال استقصاء يصمم له استمارة خاصة للتعرف على توجهاتهم وآرائهم قد يأتي بنتائج عكسية.. فإذا ما أردنا التغيير في عملية التدوير لتحقيق الهدف بالولاء العام فعلينا أن نبدأ أولاً بتدوير عمل الموظفين التنفيذيين، وخاصة ممن هم بالصف الثاني، ولكن بعد تهيئة أذهانهم وتطويعهم لعملية التدوير وقبولهم بها لتحسسهم بالتزاماتهم المشتركة تجاه أعمالهم.
|