الحوار ولغة الدَّمار

تظل للحوار قيمة عظمى في عالم ينحدر بشدة نحو العنف ولغة الدمار والسلاح والإخضاع بالقوة، ولطالما برزت هذه القيمة خصوصاً في أجواء ما بعد هجمات 11 سبتمبر، حينما بدا بوجه خاص أنّ روحاً انتقامية باتت تهيمن على التحركات الغربية للانتقام من كلِّ ما هو مسلم أو ينتمي للعالم الإسلامي، إلى الدرجة التي بدرت فيها عبارة (حرب صليببية) على لسان زعيم غربي، بعد أن توجهت الاتهامات إلى مسلمين على أنهم وراء تلك الاعتداءات..
وبينما سيطر التوجُّه الانتقامي بالقوة المسلحة على الساحة الدولية، فإنّ الدعوات استمرت إلى أهمية الركون إلى الحوار، وانطلقت دعوات أكثر بهذا الصدد من العالم الإسلامي في وجه ذلك التشدُّد والوعود بالاستئصال .. فالمسلمون أرادوا مخاطبة العالم بلغة الحوار لأنّها لغة الإسلام، وهي بعيدة كلّ البعد عن روح التشدُّد والتطرف والغلو التي للأسف تبدر من جماعات محسوبة على الإسلام على الرغم من تناقضها مع سماحة الإسلام .. غير أنّ التطرف ليس وقفاً على هؤلاء المحسوبين على الإسلام بل يتبدى في كل الأديان الأخرى، فالمحافظون الجدد هم من غلاة المتطرفين في الديانة المسيحية، والخطير في تطرفهم أنهم يملكون إمكانيات دول عظمى ويستخدمونها كأدوات لإشباع تطلعاتهم المتطرفة من عنف وبطش بالآخرين، أما التطرف اليهودي فإنّ إسرائيل الدولة هي خير ممثل له بقيادة أشخاص مثل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، ويكفي حجم الجرائم التي ارتكبها شخص واحد مثل شارون لإظهار المدى البعيد الذي يذهب إليه الصهاينة في تطرفهم .. وهكذا يبدو بوضوح أنّ هناك أكثر من موضوع يحتم الحوار بين الأديان والاتجاهات المختلفة في عالم اليوم .. فالمسلمون يهمهم أن ينطلق مثل هذا الحوار لأنهم يريدون تبرئة الإسلام مما يلحق به من إساءات ومن صور مشوهة قد تكون صدرت من هؤلاء المحسوبين على الإسلام، وقد تكون مجرد استغلال لأعمال إرهابية يتم إعادة إنتاجها حيناً بعد الآخر في الأدبيات الغربية، بل وتضخيمها إلى الدرجة التي بتنا نرى معها صوراً نمطية مشوهة للشخصية المسلمة والعربية، تتكرر في مختلف أشكال التناول الإعلامي والفني في الغرب .. وهكذا فإنّ المسلمين سيكونون في مقدمة الذين يتجاوبون مع دعوة بابا الفاتيكان الجديد للحوار بين الأديان، لأنهم هم في الأساس أصحاب هذه الدعوة وأكثر المؤيدين لها انطلاقا من تعاليم الإسلام السمحة التي تحض على التعاون والتآخي الإنساني .. ومع ذلك فإنّ المسلمين لن يركزوا على أنهم أصحاب المبادرة والسبق للحوار بقدر سعيهم لانطلاق الحوارات المرجوة بين بني البشر لوقف تداعيات الدمار والهلاك التي تنخر في عالم اليوم.