Thursday 21st April,200511489العددالخميس 12 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الاقتصادية"

نحو شبكة وطنية للغازنحو شبكة وطنية للغاز
د. صلاح السليمان

لماذا لا تقام شبكة وطنية للغاز تغطي جميع المدن السعودية؟ أليست المملكة صاحبة رابع احتياطي للغاز الطبيعي في العالم وتحتل مرتبة متقدمة في إنتاجه؟ ما الذي يجعل ذلك ممكناً في دول لا تملك عشر ما لدى المملكة من غاز وأموال، وأخرى تستورده من على بعد آلاف الكيلو مترات، ولا يجعله ممكناً هنا؟ تساؤلات تحاول تلك المداخلة الموجزة إلقاء الضوء عليها.كان المطلوب هو النفط، وكان يصاحبه مادة يصعب الاستفادة منها هي الغاز المصاحب، فكان يحرق للتخلص منه. وقبل خمسين عاماً طرحت فكرة الاستفادة من تلك المادة بتجميعها واستخدامها في توليد الكهرباء، لكن الفكرة لم تر النور، ربما لانعدام جدواها الاقتصادية، فاستمر حرق الغاز. وفي السبعينات من القرن الميلادي الماضي، ومع ارتفاع أسعار النفط أصبح الاستثمار في تجميع الغاز ومعالجته عملاً مجدياً. وهكذا قام ربما واحد من أكبر مشاريع شبكات تجميع الغاز في العالم، وأثمر مكاسب اقتصادية عظيمة، تمثلت في إحلال الغاز محل سوائل البترول الأخرى المكررة وغير المكررة، كوقود في محطات الكهرباء وتحلية المياه وغيرها، وتحرير ما يقرب من 500 ألف برميل يومياً، من تلك السوائل للتصدير، واستخلاص ما يقرب من مليون برميل يومياً من سوائل الغاز، جعل المملكة أكبر مصدر لغاز البترول المسال في العالم، ونحو مليون قدم مكعبة في اليوم، من غاز الإيثيلين، اللقيم الأكثر أهمية في الصناعات البتروكيماوية، وعشرة آلاف طن من الكبريت يومياً. كما كانت (سابك) وما قام حولها من صناعات وخدمات ووفرته من وظائف مباشرة وغير مباشرة، إحدى الثمار الأولى المهمة لمشروع تجميع الغاز واستغلاله، ما لبث أن لحق بها مستثمرون آخرون في مختلف أنواع الصناعات المستهلكة الغاز الطبيعي، بعد أن اتضحت الميزة التنافسية التي يوفرها استخدامه. واليوم يقف المستثمرون في طابور الانتظار للحصول على حصة من تلك المادة. وتسهم صناعة الغاز بحوالي 15% من إجمالي الناتج المحلي موفرة حوالي 40000 فرصة عمل ذات مردود عال.إذا كان التحول إلى الغاز والتوسع في استخدامه يجلب كل تلك الفوائد، فما العوائق التي تمنع بناء شبكة غاز وطنية تغطي محاور التنمية والمدن الرئيسة في المملكة؟ إن الرد السهل هو أنه لا يوجد طلب كاف على الغاز خارج نطاق الشبكة الحالية، وإن مشروعاً كهذا غير مجد اقتصادياً. وربما كان ذلك صحيحاً فما يتعلق بشبكات المدن من وجهة نظر مستثمرين يرجون عائداً عاجلاً، ومماثلاً لما تقدمه الفرصة المتاحة في السوق، ويعود ذلك إلى ضآلة استهلاك الأسرة السعودية من الغاز، الذي لا يتعدى 10% من حجم استهلاك الأسرة الأوروبية، حيث يتم استهلاك الغاز هناك بشكل أساسي للتدفئة التي لا تنقطع الحاجة إليها إلا لفترات قصيرة طوال العام، يضاف إلى ذلك اتساع المدن السعودية وتباعد مساكنها مما يزيد في طول الشبكة، وارتفاع تكلفة إنشائها باستخدام التقنيات الحالية، خصوصاً في مدن قائمة، مقارنة بحجم المبيعات. وكما أشارت إحدى الدراسات حول هذا الموضوع، وبحسب الأسعار الحالية لبيع الغاز المعبأ، فإن نسبة قيمة المبيعات السنوية إلى مبالغ التمويل اللازمة لن تزيد على واحد إلى 20 أو 30، وذلك بناء على كميات الاستهلاك المنزلي التقليدي الحالي. ويمكن تحسين الجدوى الاقتصادية للمشروع، أو إعطاؤها بعداً آخر، إذا أخذ بالاعتبار كمية غاز البترول المسال التي سيتم تحريرها للتصدير أو للصناعة، ويصل سعر الوحدة منها حوالي عشرة أضعاف مثلها من الغاز الطبيعي، أو باستخدام مواد وتقنيات متطورة لتنفيذ الشبكة، أو الاستفادة من الغاز في عملية تكييف الهواء. وهذا الأخير، علاوة على تحسين الجدوى الاقتصادية للشبكة، سيخفف الضغط على شبكة الكهرباء خلال أوقات الذروة، كما أن زيادة الطلب عليه ستكون في فصل الصيف حيث يقل الطلب الدولي وتنخفض أسعاره.وإذا كان الغرض من شبكات المدن هو تلبية طلب قائم بكميات معروفة سلفاً، فإن الأمر يختلف بالنسبة للشبكة الرئيسية الموجهة لمحاور التنمية، وأيهما يجب أن يتوفر أولاً شبكة الغاز أم الطلب عليه؟ لقد دلت تجربة المملكة القصيرة، كما دلت تجارب غيرها، على أن توافر الغاز هو الذي يخلق الطلب عليه، فالقول بضرورة وجود الطلب أولاً، يعني وجود منشآت مستهلكة بدائل الغاز يمكنها التحول إلى الغاز حال توافره، وهذا ينطبق على محطات الكهرباء، وتحلية المياه، والاستهلاك المنزلي التقليدي، لكنه لا ينطبق على الصناعات والخدمات وأنماط الاستهلاك الأخرى، التي لا يمكن أن تطرح كفكرة، ناهيك عن أن تكون مجدية أو ممكنة إلا بوجود الغاز. ولذا تبدو تلك الشبكة غير مجدية من وجهة نظر تجارية، وربما هي كذلك، فأي مورد ليس مضطراً للذهاب بعيداً، إذا كان بإمكانه بيع كل ما يستطيع إنتاجه عند باب مخزنه.غير أن خطط التنمية الوطنية لا تقاس جدواها بمعيار العائد التجاري السريع بل بالمحصلة الإجمالية على المجتمع ككل، ومنها توفير مقومات التنمية، وقد أصبح الغاز من أهمها، على جميع مناطق المملكة، وخلق فرص للعمل، ووقف الزحف السكاني إلى تلك المناطق المحظوظة، كما أن من الخطأ استراتيجياً وأمنياً تركيز الصناعات الوطنية في مكانين جغرافيين فقط.ولكن هل يمكن إنتاج الغاز بكميات تسمح بمثل هذا التوسع؟ عندما قررت المملكة التوسع في استخدام الغاز الطبيعي، للاستفادة من تلك المادة المهدرة وإحلالها محل السوائل البترولية الأعلى قيمة، كان الطلب عليه خصوصاً كوقود يفوق ما هو معروض، على الرغم من ضخامة حجمه، بالإضافة إلى أن جزءاً كبيراً من الغاز المتوافر كان يأتي مصاحباً للبترول، مما جعل الكميات المتوافرة منه عرضة للتذبذب وخاضعة لإنتاج النفط، وهذا يجعل من الصعب طرح كل ما هو متاح من الغاز للاستهلاك، وأصبح الغاز غير المصاحب أو بعضه، يستخدم مخزوناً مرناً لتغطية العجز الذي يحصل بسبب انخفاض إنتاج البترول، وبالتالي كمية الغاز المصاحب. إضافة إلى ذلك أدى توافر الغاز الرخيص والتجهيزات الأساسية في الجبيل وينبع، وداخل نطاق الشبكة عموماً، إلى فتح شهية السوق المحلي للمزيد منه. وتشير بعض التقديرات إلى أن الطلب على الغاز سيزداد بشكل - أو أنه أصبح بالفعل - يفوق كمية المعروض منه، وأن ذلك سيستمر مدة طويلة، حيث إن فترة التنقيب والحفر والعمليات المرافقة تأخذ وقتاً أطول من تنفيذ المنشآت المستهلكة. ويمكن سدّ هذا العجز المؤقت، وتوفير كميات كافية لتغذية الشبكة الوطنية بإحدى طريقتين: إما بالاستيراد وذلك بالارتباط بشبكة الغاز الخليجية التي تغطي قطر والإمارات وعمان حالياً، وهناك حديث عن ربط الكويت بها عبر الأراضي السعودية، أو بخط الغاز المصري الأردني، أو بالتراجع عن استخدام الغاز في محطات الكهرباء والتحلية، والتعويض عنه بنوع رخيص من الزيت على الرغم من عدم ملاءمته بيئياً.
إن تنفيذ مشروع كهذا، يستثمر فيه ما بين 15 و20 بليون ريال للخطوط الرئيسية ومثلها لشبكات المدن الرئيسية، ويستهلك ملايين الأطنان من الحديد والبلاستيك وغيرهما من المواد المصنعة محلياً، هو عملية تنموية اقتصادية بحد ذاتها، حيث سيشغل مئات المقاولين والمصانع وبالتالي آلاف المواطنين السعوديين، بداية من الإنشاء ونهاية بتشغيل الشبكة وصيانتها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved