Thursday 21st April,200511489العددالخميس 12 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

الخلل الدائم.. في الحياة السياسية الكويتيةالخلل الدائم.. في الحياة السياسية الكويتية
عبدالله بشارة

استقال وزير الصحة الكويتي وقدم رسالة إلى سمو رئيس الوزراء فيها امتعاض، وفيها سخط على الأساليب التي شهدها استجوابه، وفيها - أخيراً - أقوال إصلاحية يريد فيها امتزاج العقل الناضج بالضمير الحي مع صفاء النوايا.. وقبله استقال وزراء، وبعده سيستقيل آخرون، وليس الخلل في شخص ما ولا في سوء النوايا ولا حتى في أسلوب المواجهة، وإنما هناك شيء آخر أكبر وهو الغائب الدائم عن تجربة الكويت البرلمانية، وفي غياب حقائق العمل الديمقراطي عن هذه التجربة، ستواصل الكويت حياة التجاذب والضجر وربما المواجهة.. ويمكن إبداء الملاحظات التالية:
أولاً: لا توجد ديمقراطية تنفصل فيها الحكومة عن البرلمان، ولا توجد ديمقراطية يلعب البرلمان بشموليته فيها دور المعارض في الحياة الديمقراطية المثمرة والمنتجة.
في الديمقراطية، تسيطر الحكومة على البرلمان عبر أغلبية تؤمن لها التشريعات وإصدار اللوائح واستخراج القوانين وفق برنامجها ورؤيتها في وضع تمضي فيه نحو أهدافها، دون عقبات تشل تحركاتها، وتعمل المعارضة في هذه التجارب التي نشاهدها في عواصم الديمقراطية لتقديم بديل عن الحكومة في البرامج وفي هيئة جاهزة كحكومة ظل.
حياة الكويت شيء آخر لا تملك الحكومة أغلبية، ولا تستند على حزب ينتمي إليها، وهي تسير تبحث عن مؤيدين بالاقتناع أو بالإغراء، في جو غير مأمون، أحياناً تنجح وأحياناً تتعثر، لكنها دائماً في صراع وحراك وشدة.
وفي الديمقراطية الحزبية تقدم المعارضة يومياً مشروع طرح ثقة بالحكومات وسياستها، لكنها لا تنجح، وتقوم المعارضة بذلك من باب الممارسة السياسية، لا تنجح لأن الحكومة تملك أغلبية وتسيطر على البرلمان.
ثانياً: ليس في السياسة أخلاق ولا يتوفر فيها نقاوة الأئمة والقديسين وتسمى السياسة المهنة القذرة، ومن يدخل ميدانها عليه التحصن لكي لا يتأذى من أساليب العوام، وفي كل مكان نجد المواجهات والسخونات والشتائم، إن لم يكن اللكم والرفس.
لكن وضع الوزراء في الكويت غير مأمون، فلا توجد كوابح نيابية تحمي الوزراء الذين ينكشفون لهجمات ومصطلحات مؤذية، ليس بالإمكان محاكاتها، ولم يسع مكتب البرلمان لوضع لائحة اللزوميات التي على الرئاسة فرضها وحمايتها..
وأكثر من ذلك أن المساءلة والاستجواب المقدم يتولاه شخص واحد أو أكثر، ربما مسبباته خصومات شخصية ورغبات برلمانية غير قانونية لم يوفرها الوزير، وكان يجب أن تفرض اللائحة طرح فكرة الاستجواب على التصويت من حيث المبدأ، ويمكن قبوله في حالة موافقة الأغلبية في المجلس، وذلك تأميناً لعدم تسلل الخصومات الشخصية والمصالح الذاتية والانتفاعات غير القانونية، تضعف من أهمية الاستجواب.
ولذلك أصبح المنصب الوزاري طارداً ومزعجاً، فمن يقبل بالتحرشات والمداخلات التي تثير الغضب والتي ضجر منها وزير الصحة وغيره من لائحة المستقيلين..!
ثالثاً: قلنا مراراً إن الديمقراطية لا تحيا على حسن النوايا فقط، ولا تعيش على النخوة والفروسية وإنما على ضوابط تنظم العمل، وأبرزها اطمئنان الحكومة لتوفر أغلبية متعاونة، ليست مترددة أو متربصة أو مستفيدة، وقلنا إن الحكم الديمقراطي هو تجمعات حزبية بمنهج متكامل سياسياً واقتصادياً إلى آخر المنظومة، ولا يمكن اقتطاع جزء من منظومة الديمقراطية وتطبيقه دون سائر الأجزاء التي تشكل المنظومة الديمقراطية الفاعلة.
والديمقراطية هي سيادة القانون، والشفافية، وتداول السلطة والمساءلة والمجتمع المدني.. وهي حرية التعبير وحقوق الإنسان، وأكثر من ذلك الالتزام بحقوق المواطنة وقيام الأحزاب.
أكبر من يتجاوز القانون هم أعضاء المجلس الذين يتجولون في الوزارات باحثين عن خدمات كلها خروقات قانونية، وكلها مخالفات دستورية، تقدمها الحكومة لأنها تتواصل وتستمر بسبب هؤلاء المخالفين.أين إذن سيادة القانون (جوهر الديمقراطية؟) وأين حق الوزير الذي يحمي سيادة القانون في المؤازرة البرلمانية بدلاً من التسابق البرلماني على اغتياله؟
رابعاً: أصدرت المحكمة الدستورية حكمها في تنظيم الأسئلة التي توجه إلى الوزراء، وهي سابقة جاءت بعد أن تكاثرت الأسئلة إلى حد الفيضان وإلى حد الشلل، وأكثرها شخصي من إفرازات ضيق النواب في الحصول على كل ما يريدون.
ومهما قيل عن هذا الحكم فإن الذي يجب مراعاته هو سيادة القانون - جوهر الديمقراطية - وعمودها الفقري، وإذا تساهلت الحكومة في حقوقها تعاظمت القوى التي تريد الأكل على كل الموائد، مستهينة بهيبة الحكومة وصلابتها.
وهنا يبرز دور مكتب البرلمان، خاصة الرئيس ونائبه، في التزين بالحكمة والاعتماد على العقل، فلا تحتمل الكويت تأزيمات، ويمكن الخروج بتفاهم مقنن حول إجراءات الأسئلة دون أساليب الاستفزاز.
مسؤولية مكتب البرلمان تكمن في حسن القيادة لاستمرار التجربة البرلمانية وتطويرها وإدخال تحسينات عليها، والتصدي للخروقات والتثقيف نحو الالتزام بقواعد العمل البرلماني، وبناء الثقة مع الحكومة التي تتعرض كثيراً لمصطلحات غير لائقة.
وإذا كان غياب الأحزاب في النظام البرلماني الكويتي سبب المتاعب، فإن الواجب الوطني يفرض على الرئيس وجماعته إبعاد الوضع المتوتر والعمل على ترسيخ التفاهم ونزع فتيل الصدام.
وربما من المفيد أن يلجأ الرئيس ومكتبه إلى جلسات غير رسمية مع النواب للتحدث في الشأن البرلماني ومسببات التأزيم وتطويقها، هذا التقيد موجود في الأمم المتحدة وفي الاجتماعات الدولية، ويمكن ترسيخه في الكويت.
وأخيراً تبقى الكويت ومصالحها وأمنها الوطني واستقرارها وحرية شعبها وسيادته فوق كل اعتبار.وتبقى هيبة القانون وقوته والالتزام به ضمان الأمن والاستقرار والتقدم.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved