تحقق حلم تداول السلطة في العراق، وأصبحت بلادنا تنتقل من حال إلى حال، وتجسدت على أرض الواقع المقولات الشهيرة: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك، ولو دامت لك ما ذاقها غيرك، ولكل زمان دولة ورجال، ولكل مرحلة لائحة، ولكل زمن طبقة سياسية؛ فليس هناك أحد أحسن من أحد!! لكن ما نعرفه عن التجارب الديمقراطية أن الثوابت الوطنية لا تمس، وركائز الأمن والاقتصاد والهوية لا تتغير، وسياقات الدولة وأداؤها لا تتوقف ولا تتلكأ ولا تتراجع ولا تتخلف، فلا تلغى قرارات لأنها اقترنت باسم هذه الحكومة وباسم ذلك الوزير، ولا تفصل الدولة على مقاسات الحكام الجدد فإن كانت فضفاضة على أجسادهم اقتطع منها الفائض، وإن كانت قصيرة رتقت بما يجعلها ملائمة لمقاس القادمين إلى سدة الحكم!! إن أخشى ما نخشاه هو أن نبدأ من نقطة الصفر، وأن تدور عجلة الحكومة دورتها فتعيدنا إلى أيام (صديقنا الوفي) بريمر؛ فلا شرطة وطنية ذات خبرة، ولا رجال مخابرات ذوي مهارة وحس أمني عال، ولا جيش مهابا، ولا دولة لها إيقاع منتظم ونظام محترم، ولا ضوابط ولا معايير، ولا موازين يوزن فيها الناس؛ فيعطى لكل حقه حسب استحقاقه وكفاءته، لا حسب انتمائه وعشيرته ومذهبه ومنطقته وقرابته من هذا، وصداقته مع ذاك!! لقد تأخر انعقاد الجمعية الوطنية، ومن بين أسباب ذلك هو اختيار الرجل المناسب لتولي منصب رئيس جهاز المخابرات؛ فالرجل الموجود على رأس هذا الجهاز أصبح موضع خلاف واختلاف، وهذا يعني أن جهاز المخابرات يمكن أن يتغير بتغير قائده، ووزارة الداخلية ستتغير إجراءاتها وطريقة عملها، وما تحقق من تراكم الخبرة فيها بتبدل وزير الداخلية، وكذلك الأمر مع وزارة الدفاع ووزارة التعليم العالي التي ما زالت وزارة المالية تماطل في تنفيذ قانون الخدمة الجامعية بحجة عدم وجود تخصيصات مالية، والسبب هو لكيلا يجير هذا الإنجاز الذي ظل حلم الأساتذة العراقيين لعقود طويلة لحساب وزير ربما حسب على قائمة دون سواها وعلى اتجاه دون غيره!! ليأتِ إلى الحكم مَن تؤهله صناديق الاقتراع على أن تبقى هيكلية الدولة وسياقاتها وثوابتها محترمة عند الجميع، وذلك هو لبّ الديمقراطية وجوهرها!!عاشت الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهنيئاً للفائزين بمناصب الحكومة... اللهم احمِ الجنرال ديفيد باتريوس مسؤول الملف الأمني في العراق واحمنا معه!!
( * )كاتب وصحفي عراقي |