كلنا يعلم أن الماء من نِعم الله علينا، وبدونه لا تستقيم الحياة على كوكبنا الأرضي، لذا فإن الحديث عن حفظه يُعتبر مطلباً شرعياً في وقت أصبحت حرب المياه أهم من حرب النفط، وكما يُقال فإن الحرب عليه، ومن أجله هي الحروب المتوقعة مستقبلاً. نحن سكان الجزيرة العربية نعيش في صحراء تحيط بها المياه المالحة، ولكن الاعتماد عليها بالتحلية محفوف بالمخاطر الأمنية، ولذا فنحن معنيون بقراءة السحب، والتي تمسك أو تدر بقدرة الله وكرمه، لذا فنحن نعيش في بيئة صحراوية جافة بين قلة أمطار، وارتفاع في نسبة البخر، ورمال حارقة وانعدام للأنهار الجارية، كل ذلك يعني أننا معنيون أكثر من غيرنا بالاهتمام بالماء لكن الدراسات الاحصائية أثبتت أن المواطن السعودي من أكثر سكان الأرض إهداراً للمياه مقارنة بمتوسط استهلاك الفرد العالمي. فغيرنا يعيش على ضفاف الأنهار وبلادهم تنعم بالأمطار طوال العام، ومع ذلك فهم يقدِّرون هذه النعمة ويحترمونها، ويزداد العجب إذا علمنا أن الرجل الغربي الذي يعيش في مجتمعات غير مسلمة، من أشد الناس اهتماماً بالماء لأن الحفاظ عليها يعتبر جزءاً من المواطنة.. إذاً السؤال: لماذا المواطن السعودي مسرف في هذا الجانب؟ هل عقلية الاتكالية وفلسفة إهدار الممتلكات العامة هي الهاجس السائد لدى شعبنا، فعندما ننتقد هذا النوع من الناس، يجيبك.. هذا مال الدولة!! وكأن هذا الممتلك ليس للشعب، وإنما هو للنخبة فقط. أين هذا من نظرة المسلم الصادقة، والتي ترجع ذلك إلى أن هذا المال، والحفاظ عليه جزء من الأمانة، والتي تعني التكافل بين أفراد المجتمع المسلم، فالناس شركاء في الماء كما ورد في الأثر. إذاً لدينا فعلاً خلل في التربية والتفكير، ويحتاج هذا إلى مراجعة مستفيضة.. فمعظم دراسات التربويين تركز على أن السلوك غير الطبيعي قد يؤثر على المجتمع من خلال الاعتداء على الآخرين بالضرب أو الإهانة، لكن قلَّما نرى من يدافع عن الممتلكات العامة والتي هي ملك للجميع والمساس بها مساس بالأمن المائي ومخالفة شرعية وتخلف حضاري.. وهذا يقودنا إلى محاولة البحث عن الحل الأمثل لمثل هذه الظاهرة، والتي تتعارض مع المواطنة الحقة.. ولعل هذا يأخذ منحنيين تربويين: توجيهي، وعملي. أولا: الجانب التوجيهي: يمكن أن يعالج عن طريق تفعيل الاهتمام بثروة الماء وذلك بإبراز الجانب الوجداني في مناهج التعليم والتي هي آخذة بالتطوير، ولعل إمام المسجد أو مدير المدرسة أو مدرس الحلقة.. كل أولئك عليهم دور بارز في توجيه ممن حولهم بالعناية بهذا الجانب التربوي. أما البيت، فيكون بتوجيه من قِبل الوالدين لأهمية هذا الأمر، لدى ساكني المنزل ويمتد ذلك إلى الجيران. ولعل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة عليها واجبات متعددة في تفعيل جانب الاهتمام بالماء، لما لهذه الوسائل من أثر فعَّال على جمهور الناس. ثانيا: الجانب العملي: فالناس حسب التجربة لا يغيِّر سلوكهم أسبوع توعية، بل أنظمة ملزمة يحترمها الناس ويعملون بها بالتساوي علية القوم مع الطبقة الكادحة هم سواء.. فنحن معاً نحمل شعار لا واسطة في تطبيق الأنظمة، والقانون لا يحمي المغفلين.. ومن ذلك بعض الحلول: 1 - يشترط في تسليم دفعات الصندوق العقاري، أن يكون هناك لجنة تطبيق الأسلوب الأسلم في صحة إقامة الخزانات الأرضية والعلوية، وأيضاً سلامة سباكة المنزل. 2 - يشترط قبل تركيب عداد الماء دراسة سلامة سباكة المنزل وخزاناته. 3 - مباني الدوائر الحكومية، سواء الحكومية أو المستأجرة يشترط فيها أن يكون بها أفضل المياه من جانب سلامة مواد السباكة والصيانة قبل تسليم المبنى وأثناء تجديد العقد. 4 - ترشيد ري أشجار الشوارع والحدائق والمزارع وخاصة النخيل، فلا بد أن يكون عن طريق ري التنقيط. 5 - إلغاء شلالات المياه والتي تنشئها البلدية لأن في ذلك تعريض الماء للتبخر، فمعدل ما يبخِّره شلال واحد يساوي عدد ثلاثة وايتات ماء يومياً. 6 - يشترط في استيراد مواد السباكة أن تكون خاضعة لمقاييس عدم الإسراف في المياه. 7 - إجراء دراسات علمية لتحديد البيوت التي تبالغ في إهدار الماء وتوجيه إنذارات لمعرفة سبب ذلك. 8 - إعادة تدوير مياه الصرف الصحي للاستفادة منها في ري الحدائق. 9 - توجيه المزارعين لاختيار منتجات أقل تكلفة في استهلاك المياه. كل ذلك وغيره ينبغي أن يصب في تفعيل هذا الهم لدى المواطن السعودي، لكي يبرز هذا الجانب الحساس من المواطنة، في أهم مدخر اقتصادي ألا وهو الماء.
د. أحمد محمد الشبعان أستاذ الجغرافيا السلوكية بجامعة القصيم |