Saturday 16th April,200511889العددالسبت 8 ,ربيع الأول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الطبية"

إضاءةإضاءة
ومن الجهل ما قتل!
د. محمد غياث التركماني

خالد شاب وسيم تخرج في الجامعة منذ عامين فحقق نصف حلمه بأن أصبح مهندساً، ثم حقق نصف حلمه الآخر بإعلان خطوبته. لكن هذا الحلم لم يتحقق بعدُ؛ لقد انقلبت أحلامه الجميلة إلى مأساة حقيقية سأذكرها لكم كما رواها لي خالد نفسه.
راجع خالد أحد الأطباء مستفسراً عن التحاليل الدموية الواجب إجراؤها قبل الزواج. ظهرت النتائج وكانت - والحمد لله - كلها سليمة عدا أن الأجسام المضادة (للهربس) كانت مرتفعة؛ فأشار عليه الطبيب باستعمال أحد الأدوية المضادة لفيروس الهربس وتكرار التحليل الدموي لهذا الفيروس حتى يتم انخفاض قيمة الأجسام المضادة للهربس في الدم، ونصحه الطبيب بألا يتقدم إلى الزواج حتى تعود تلك القيم إلى الحدود الطبيعية.
وها هو خالد اليوم ينتظر منذ عام ونصف وينتقل من مختبر لآخر ومن طبيب لآخر وكله أمل أن تعود الأرقام إلى المعدلات التي يعتقد الأطباء أنها طبيعية.
وأهل الزوجة يسألون عن سبب تأخير الزواج، وأهل خالد وأصدقاؤه يسألون أيضاً. وخالد يلتزم الصمت ولا جواب لديه والجواب يكمن في وصفات الأطباء وأوراق المختبرات. لقد أصبح لدى خالد ملف كبير جداً. بالطبع ليس ملفاً لمشروع هندسي واعد أو مشروع لحياة زوجية هانئة. إنه ملف طبي (وللأسف) مكون من عشرات الوصفات الطبية وأوراق المختبرات، وصاحبنا خالد في شقاوة وتعاسة ويريد حلاً لهذا البلاء.
إن الحقيقة التي لا غبار عليها أن المهندس خالد كان ضحية (جهل الأطباء)؛ لأن التحاليل المخبرية التي تجرى للإصابة بفيروس (الهربس) ليس لها أي معنى أو دلالة من الناحية الطبية العلمية اللهمّ إلا أن زيادة الأجسام المضادة من النوع M تدل فقط على تعرض حديث العهد بالهربس ليس أكثر.
إن الفيروسات المسببة للهربس موجودة في الطبيعة وجميعنا تعرض لها يوماً ما والذي يحدث بعد التعرض هو ظهور المرض سريرياً أو أن تتغلب مناعة الإنسان على الفيروس فلا يحدث المرض السريري وفي جميع الأحوال ستقوم عناصر الجسم المناعية الدفاعية بتشكيل الأجسام المضادة للفيروسات وهذه الأجسام قد تبقى سنوات عديدة جداً وتتبدل قيمها من وقت لآخر نتيجة التعرض المتكرر للفيروس ومهما كانت هذه القيم المخبرية للأجسام المضادة للهربس مرتفعة فهذا لا يعكس مطلقاً شدة الإصابة وحتى لا يعني وجود المرض في الدم (كما يقولون). وفي جميع الأحوال لا يتطلب الأمر أي علاج لا من قريب ولا من بعيد.
إن النقطة الوحيدة المهمة في الإصابة بفيروس الهربس التناسلي تكمن في إصابة النساء الحوامل في الأسبوع الأخير من الحمل لارتفاع معدل الإصابة بالتهاب الدماغ الفيروسي عند الأطفال المولودين وهنا تكون المشكلة الحقيقية لذلك ينصح عادة بالابتعاد عن الممارسة الجنسية في تلك الفترة إذا كانت الإصابة واضحة عند الذكر أو ينصح بإجراء العملية القيصرية إذا كانت الإصابة لدى المرأة الحامل. لقد كانت المحاولات بإقناع المهندس خالد بعدم وجود أي مرض لديه يستدعي كل هذا القلق أمراً صعباً جداً تطلب معه أخذ آراء الزملاء معي في العيادة، فليس من السهل أن تشطب معاناة عام ونصف في بضع دقائق، لكن خالد كان مريضاً متفهماً ومتعاوناً جداً.
ودعنا خالد بابتسامة عريضة على محياه ووعدنا بأن يعقد قرانه في أسرع وقت ممكن وطلب منا أن نكون من المدعوين ووعدناه بتلبية الدعوة. لقد كان المهندس خالد ضحية جهل الجهلاء.. من مختبرات وأطباء، بالعلم ليسوا أكفاء، وختاماً أختم بما بدأت: ومن الجهل ما قتل!

عيادات ديرما - الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved